الحافظ السلفى
ارتبطت مدينة الإسكندرية في العصر الإسلامي في (القرن السادس الهجري) بالعالم الجليل "الحافظ السِّلَفي"، فلا تُذكر إلا مقرونة به، ولا يُذكر إلا بها، وأصبحت بوجوده مقصد العلماء، وكعبة القصَّاد، وموئل العلماء، يَفِدون إليها من المشرق والمغرب، يأخذون عنه، ويستمعون إليه، ويتتلمذون على يديه.
وقوَّى هذا الارتباط أن الحافظ السلفي أقام بالإسكندرية خمسة وستين عامًا يقوم بالتدريس لطلاب العلم، وإفتاء الناس، ولم يغادرها إلى غيرها من المدن، فكان استقراره طوال هذه المدة من أقوى الأسباب في هذا الارتباط، ولم يكن الحافظ السلفي مصري الأصل أو حتى سكندري المنبت، حتى يقال إن ارتباط الإسكندرية به جاء من عصبية أهلها لابن من أبنائها، ولكنه كان أصبهانيًّا من فارس، فدلَّ على أن هذا الرباط الوثيق كان سببه علم الشيخ وورعه، فهفت إليه الأفئدة، وتسابق طلاب العلم لنيل شرف صحبته والتلمذة على يديه.
المولد والنشأة
في مدينة أصبهان كان مولد أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة الأصبهاني، والسِّلفة لفظ فارسي معناه ثلاث شفاه؛ لأن شفته كانت مشقوقة، فصارت مثل شفتين، غير الأخرى الأصلية، ومن هنا جاءت نسبته إليها، فعُرف بالسلفي، ولم يُعرف على وجه اليقين سنة مولده، وإن كان يرجح أنه وُلد في عام (475هـ = 1082م).
تلقى السلفي علومه الأولى في أصبهان، واتجه إلى دراسة الحديث النبوي، وهو في الثالثة عشرة من عمره، ولزم حلقات محدثي أصبهان المعروفين، من أمثال: "القاسم بن الفضل الثقفي"، و"عبد الرحمن بن محمد"، و"الفضل بن علي الحنفي"، ثم بدأ في الرحلة لطلب الحديث والتزام حلقات كبار الحفاظ المنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم الإسلامي، وكانت التقاليد العلمية تقضي بذلك، فلم يكن هناك بلد يستأثر بالحفّاظ أو كبار الفقهاء دون غيره، ولكي يحصل طالب العلم شيئا له قدره، ويستكمل ما بدأ، فلابد له من الرحلة إلى مراكز العلم وحواضر الثقافة.
مواقع النشر (المفضلة)