كيف يعمل التحليل الطيفي المستحث بواسطة الليزر

Laser-induced breakdown spectroscopy


عندما اخترع العالم ميمان أول نبضة ليزر في العام 1960، فان البعض وصف هذه التقنية على إنها الحل الذي يبحث عن مشكلة. ولكن العلماء بسرعة اكتشفوا إن الليزر ليس مجرد هواية وإنما له الكثير من التطبيقات العملية. الأطباء اليوم يستخدمون أشعة الليزر لإصلاح قرنية العين، وتبيض وإزالة الوشم ويستخدم الليزر أيضا كمشرط دقيق جدا. كما إن الصناعات الالكترونية تستخدم الليزر في الكثير من التطبيقات مثل قارئ الباركود bar-code وأنظمة التخزين الضوئية وفي طابعات الكمبيوتر. كما وتستخدم طاقة الليزر العالية في ثقب أحجار الماس وقطع المواد الخفيفة كالبلاستيك والمواد الثقيلة مثل التيتانيوم.

الليزر مهم بشكل خاص في مجال التحليل الطيفي المستخدم من قبل الكيميائيين والفيزيائيين. إن الخبراء في علم الكيمياء التحليلية طوروا تقنيات تمكن من تحديد المركب الكيميائي للمادة. وبواسطة هذه التقنيات تمكن العلماء من قياس الخصائص الفيزيائية، مثل الكتلة ومعامل الانكسار والتوصيل الحراري. وبعض التقنيات الأخرى تعتمد على الشحنة الكهربية والتيار الكهربي لتساعد في التعرف على المركبات الأساسية للمادة. وهناك المزيد من التقنيات لقياس مقدار الامتصاص absorption والانبعاث emission والتشتت scattering للإشعاع الكهرومغناطيسي وهذه التقنية تعرف بعلم السبكتروسكوبي spectroscopy أي علم الأطياف.



علم الأطياف القائم على استخدام الليزر laser-baser spectroscopy أصبح الآن أداة أساسية في علم التحليل. تخيل نظام ليزر مثبت على عربة فضائية تسير على كوكب المريخ. فعندما تنطلق نبضة ليزر على تربة المريخ فان تشتت ضوء الليزر المتشتت عن غبار تربة المريخ ينعكس ويلتقط بواسطة أجهزة خاصة مثبتة على العربة الفضائية يمكنها من معرفة التركيب الكيميائي للتربة. الآن افترض أيضا جندي يحمل نظام ليزر مكون من جهاز ليزر ومجس يقوم الجندي باستخدامه لتوجيه نبضات الليزر على أي أجسام مشبوهة في الطريق ليتعرف على المواد المتفجرة والألغام المزروعة من خلال انعكاس نبضات الليزر إلى المجس.



هذه بعض الأمثلة لتطبيقات التحليل الطيفي لليزر وقد تبدو لنا إنها مشاهد من احد افلام الخيال العلمي، ولكن هذا ليس هو الحال. فالعلماء اليوم يمتلكون معدات ذات قدرات عالية على تحليل المواد تعتمد على الليزر. وسوف نقوم في هذا المقال من كيف تعمل الأشياء بالتعرف على هذه التقنيات وسوف نركز على احد هذه التقنيات التي تعرف باسم Laser-Induced Breakdown Spectroscopy والذي يختصر بـ LIBS أي التحليل الطيفي المستحث بواسطة الليزر. ومن خلال شرح هذه التقنية سوف نفهم كيف يستخدم الليزر في التحليل في الكثير من التطبيقات في مجال الأمن والتشخيص الطبي وفي الطب الشرعي وفي الرعاية الصحية وفي علم الآثار والفن.

وفي البداية دعنا نقوم بالتعمق أكثر في أساسيات الكيمياء التحليلية لفهم دور الليزر في تقنيات التحليل للتعرف على المركبات الكيميائية المكونة للمادة.



الليزر كأداة تحليلية

لنتوقف عن القراءة الآن ونقوم بجولة للأشياء حولنا فهناك أجسام صلبة مثل جهاز الكمبيوتر والطابعة، وهناك مواد سائلة مثل المياه الغازية في كوب من الزجاج والماء في حوض اسماك الزينة. كذلك المواد الغير مرئية مثل الروائح الموجودة في الهواء يمكن أن نشعر بها بحواسنا المختلفة التي وهبنا الله سبحانه وتعالى. كل هذه الأشياء نسميها المادة matter والتي تتكون من جزئيات ومركبات من الذرات. التحليل الكيميائي يشبه تماما قيامك بتكسير جزيئات المادة للحصول على الذرات الأساسية المكونة لها لمعرفة ما هي هذه الذرات التي تكون مادة ما.www.hazemsakeek.com



تقوم باحثة بتحضير عينة لوضعها في جهاز مطياف الكتلة



على مر السنين، طورت الكيمياء التحليلية الكثير من التقنيات والأدوات. بعض هذه الأدوات والتقنيات ذات طبيعة كيفية تختص بتحديد نسب تواجد العناصر والمركبات في المادة، والتي يعرفها الكيميائي بـ analytes. وهناك طرق أخرى ذات طبيعة كمية حيث تقوم بقياس مقدار تواجد عنصر أو أكثر في المادة. وفي كلا التقنيتين فان علم التحليل الكيميائي يعتمد على استحثاث العينة أو المادة بواسطة الضوء أو الكهرباء أو المجال المغناطيسي ليحدث تغير في العينة فتكشف عن المركبات الكيميائية المكونة لها.

لنأخذ تقنية مطياف الكتلة mass spectrometry التي تحدثنا عنها في المقال السابق (اضغط هنا لمزيد من المعلومات)، فهي تقنية معتمدة ومجربة. فمثلا اذا أراد عالم بيولوجي ان يعرف ما المادة السامة الملوثة لنوع من السمك، فانه سيأخذ عينة من الأغشية العضلية للسمكة ويقوم بتحليلها في سائل يعمل على إذابتها. بعد ذلك يتم إدخال المحلول الناتج في جهاز مطياف الكتلة حيث تبدأ عملية التحليل بقذف المحلول بالالكترونات لتحويل الذرات والجزيئات في العينة إلى أجسام مشحونة تعرف باسم الايونات ions. يقوم البيولوجي باستخدام مجال كهربي أو مجال مغناطيسي لفصل الايونات المختلفة بناء على كتلها أو مقدار شحنتها، وبهذا يستطيع أن يكشف المادة السامة الملوثة للسمك مثل مادة DDT.

في السنوات الأخيرة استخدم الليزر لاستحثاث المادة وأصبح الاعتماد على الليزر كأداة تحليلية من الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها. وكل التقنيات التحليلية التي تستخدم الليزر تصنف إلى مجموعتين الأولى تعرف باسم طريقة الكشف الضوئية والثانية تعرف باسم طريقة الكشف الغير ضوئية.



على سبيل المثال في طريقة الكشف الغير ضوئية تساهم تقنية التحليل بالليزر العلماء على تمييز العناصر المختلفة عن طريق سماعها. هذه التقنية تعرف باسم pulsed-laser photoacoustics أي الفوتون الصوتي الناتج عن نبضة الليزر والتي تعمل بتوجيه الليزر على العينة. وعندما تمتص العينة الطاقة من الليزر، فترتفع درجة حرارتها وتتمدد، مما يتسبب عن ذلك إحداث أمواج ضغط صوتية acoustic pressure wave. يستخدم ترانسديوسر انضغاطي (اضغط هنا لمزيد من المعلومات) يعمل على تحويل الاهتزازات الميكانيكية إلى نبضات كهربية، يمكن سماعها بواسطة سماعات خاصة لتساعد الكيمائي على التعرف على الجزئيات في العينة.


جهاز pulsed-laser photoacoustics



المطياف الأيوني الحركي Ion mobility spectrometer الذي يعرف بالاختصار IMS يعتبر من طرق التحليل الغير ضوئية. حيث يستخدم الليزر في هذه التقنية لانتزاع ablate أو قطع أجزاء صغيرة من سطح العينة قبل أن تحدث له تأين. الايونات التي تنتج بسبب نبضات الليزر في العينة تدخل في بخار غازي يتدفق بسرعة كبيرة. العلماء يقومون بقياس سرعة حركة الايونات في الغاز، والتي تتأثر بحجم وشكل الايونات.


جهاز المطياف الأيوني الحركي

لمزيد من المعلومات انظر الرابط رقم 3 في نهاية المقال



في تقنيات الكشف الضوئية التي تعرف باسم التحليل الطيفي بالليزر laser spectroscopy. فان التحليل الطيفي يعمل على استحثاث العينة ثم تحليلها للحصول على الطيف الكهرومغناطيسي الناتج عن الانبعاث الإشعاعي أو الامتصاص الإشعاعي. يعتبر علم الطيف من الأدوات التحليلية الهامة. وفي بقية هذا المقال سوف نتعرف أساسيات علم التحليل الطيفي لمعرفة كيف تستخدم البصمة الكهرومغناطيسية لتمييز بين العناصر.





أساسيات علم الأطياف

في الشكل التوضيحي للذرة حسب نموذج بور نشاهد الالكترونات في مداراتها المنفصلة تدور حول النواة



علم الأطياف يعتمد على مبدأ تكميم مستويات الطاقة في الذرة. فالذرات والجزئيات تمتص أو تشع مقدار محدد من الضوء عند طول موجي معين. ولفهم لماذا لا تمتص الذرة أي ضوء عند أي طول موجي، يجب أن نفهم كيف تتركب الذرة. وقد سبق وان تحدثنا في أكثر من مقال من مقالات كيف تعمل الأشياء عن تركيب الذرة ولكن هنا سنسرد الحقائق باختصار لنتمكن من متابعة المقال. www.hazemsakeek.com

في العام 1913 تمكن العالم الدينماركي نيل بور Niels Bohr من الاستفادة من نموذج العالم Rutherford للذرة والمتمثل في نواة موجبة الشحنة تحيط بها سحابة الالكترونات، وقد عدل بور على هذا النموذج بحيث يتوافق هذا التعديل مع النتائج العملية التي لم يتمكن نموذج رزرفورد من تفسيرها.

في نموذج بور، الالكترونات تحيط بالنواة في مدارات منفصلة (مكممة)، مثل مدارات الكواكب حول الشمس. في الحقيقة الصورة الكلاسيكية للذرة والضوء تغيرت بعد نموذج بور.

في ذرة بور، الإلكترون في مداره يرتبط بالنواة بمقدار محدد من الطاقة. ويمكن للإلكترون أن يوجد في أي مدار حول الذرة اذا اكتسب مقدار محدد من الطاقة يساوي الفرق بين طاقة هذه المدارات. أي أن الإلكترون لا يشبه الكوكب في هذا الجانب حيث ان الكواكب تبقى في مداراتها ولا يمكن لها إلا ان تسير فيه إلى الأبد أما الإلكترون فانه يمكن ان يغير مداره إلى مدار أخر اذا اكتسب أو فقد مقدار محسوب من الطاقة. ويعتبر الإلكترون في مداره الأصلي انه في الحالة الأرضية ground state. ولنقل الإلكترون من المدار الأرضي إلى أي مدار أخر ابعد فانه يمتص طاقة. وعندما يحدث هذا فإننا نسمي حالة الإلكترون بأنه في الحالة المثار excited state. الالكترونات عموما لا يمكنها ان تبقى في الحالة المثارة لفترة زمنية طويلة. لذلك فهي تقفز عائدة إلى المستوى الأرضي وتتخلص من الطاقة التي اكتسبتها في صورة فوتون عند طول موجي محدد.