مصادر أبحاث الإعجاز العلمي

ولما كانت أبحاث الإعجاز العلمي متعلقة بالتفسير العلمي للآيات الكونية ، ومتصلة بشرح الأحاديث في هذه المجالات ، فهي فرع من فروع التفسير ، وجزء من شرح الحديث وتقوم على مصادر هذين العلمين ، ولما كانت قائمة على إظهار التوافق بين نصوص الوحي وبين ما كشف العلم التجريبي من حقائق الكون وأسراره ، فهي كذلك تقوم على مصادر العلوم التجريبية ، إلى جانب العلم المتعلق بتاريخها ، كما تتصل أيضاً بعلم أصول الدين .

قواعد أبحاث الإعجاز العلمي :
ولقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:-
(أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ، يقبل الازدياد ، ومعرض للخطأ.
(ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة ، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية.
(ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها .
(د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما(37).
(هـ) عندما يري الله عباده آية من آياته ، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير ، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص ، بما كشف من حقائق علمية وهذا هو الإعجاز.
(و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة(38) تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل .
(ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص ، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بلك شئ علما ، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية ، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤول النص بها .
(ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية ، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث،ليتفق مع الحقيقة القطعية،وحيث لا توجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي .

أوجه الإعجاز العلمي :
إن معجزة القرآن العلمية ، تظهر لأهل العلم ، في كل مجال من مجالاته ، فهي ظاهرة في نظمه ، وفي إخباره عن الأولين ، وفي إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع ، وغيرها .. ولقد شاع مصطلح الإعجاز العلمي في عصرنا، للدلالة على أوجه إعجاز القرآن والسنة ، التي كشفت عنها العلوم الكونية والطبية.والمتأمل في أحوال العالم قبل نزول القرآن ، يرى التخلف الهائل في مجال العلوم الكونية، وكيف اختلطت المعارف الكونية للانسان ، بالسحر والكهانة والأوهام ، حتى غلبت الخرافة ، وسادت الأساطير ، على الفكر الإنساني .ولقد انتظرت البشرية طويلاً – بعد نزول القرآن – إلى أن امتلكت من الوسائل العلمية ، ما يكشف لها أسرار الكون ، وإذا بالذي يكتشفه الباحثون بعد طول بحث ودراسة ، تستخدم فيها أدق الأجهزة الحديثة ، يرى مقررا في آية ، أو حديث ، قبل ألف وأربعمائة عام ، وذلك فيما تعرض له الوحي من حقائق. وما كان العرب الذين خوطبوا بهذا القرآن ، بحاجة إلى هذه الأوصاف ، والأنباء المستفيضة فيه ، وفي السنة، عن الكون وأسراره ، لاثبات صدق الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم ، لكنه الوحي المعجز؛ الذي يحمل بينه صدقه معه ، لجميع البشر، في عصورهم المختلفة ، وأطوارهم المتباينة ، كما قال أبو العباس بن تيمية في وصف القرآن.وقد اجتمع فيه من الآيات ما لم يجتمع في غيره ، فإنه هو الدعوة والحجة ، وهو الدليل والمدلول عليه ، وهو البينة على الدعوى ، وهو الشاهد والمشهود به(39).

وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة فيما يلي:
1- في التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون(40) من حقائق كونية ، وأسرار علمية،لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن .
2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية،في أجيالها المختلفة ، من أفكار باطلة ، حول أسرار الخلق(41) لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شئ علما.
3- إذا جمعت نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة ، وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر ، فتتجلى بها الحقيقة ، مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن، وفي مواضعها من الكتاب الكريم ، وهذا لا يكون إلا من عند الله ؛ الذي يعلم السر في السموات والأرض .
4- سن التشريعات الحكيمة ، التي قد تخفى حكمتها على الناس ، وقت نزول القرآن، وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات.(42)
5- في عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة ؛ التي تصف الكون وأسراره، على كثرتها ، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها ، مع وجود الصدام الكثير، بين ما يقوله علماء الكون ، من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات، ووجود الصدام بين العلم ، وما قررته سائر الأديان المحرفة المبدلة.وصدق الله القائل : ﴿ وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49)وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(51)قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(52) ﴾ (العنكبوت:48-52).

تنبيه :
وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي؛ الذي تسفر فيه النصوص عن معاني لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور ، أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات ، والمعاملات والأخلاق ، فقد بينها رسول الله r ووضح تفسيرها(43).