حقيقة السفر في الزمان

هل يمكننا أن نسافر إلى الماضي, أو نرحل إلى المستقبل? سؤالان أجابت عنهما أساطير الشعوب وقصص الخيال العلمي. لكنهما لم يكونا أبدًا بعيدين عن اهتمام البحث العلمي المتقدم.

في عام 1971 قام العلماء بتجربة حول نسبية الزمان, فتم وضع أربع ساعات ذرية من السيزيوم على طائرات نفاثة تقوم برحلات منتظمة حول العالم, في اتجاهات شرقية وغربية. وبمقارنة الأزمنة التي سجلتها الساعات على الطائرات مع الزمن الذي سجل بمرصد البحرية الأمريكية, وجد أن الزمن المسجل على الطائرات أبطأ منه على الأرض بفارق ضئيل يتفق مع قوانين النسبية الخاصة. وفي عام 1976 وضعت ساعة هيدروجينية في صاروخ وصل إلى ارتفاع 10000 كيلومتر عن سطح الأرض, حيث أصبحت الساعة على الصاروخ في مجال جاذبي أضعف منه على سطح الأرض. وقورنت إشارات الساعة على الصاروخ بالساعات على الأرض, فوجد أن الساعة على الأرض أبطأ منها على الصاروخ بحوالي 4.5 جزء من عشرة آلاف مليون من الثانية, بما يتفق مع تنبؤات النسبية العامة بدقة عالية. والساعة الهيدروجينية الحديثة تعمل بدقة يعادل فيها الخطأ ثانية واحدة في كل ثلاثة ملايين سنة. وهذه القياسات تثبت - بلاشك - الظاهرة المعروفة (بتمدد) الزمن, والتي تعد أهم تنبؤات النظرية النسبية. فالتجربة الأولى تثبت أن الزمن (يتمدد) كلما ازدادت سرعة الجسم, أما التجربة الثانية فتثبت أن الزمن (يتمدد) إذا تعرض الجسم لمجال جاذبي قوي.


و(تمدد) الزمن في هذا السياق ليس مفهومًا فيزيائيًا نظريًا خاصًا بالأجسام الدقيقة دون الذرية, وإنما هو (تمدد) حقيقي في الزمن الذي يحيا فيه الإنسان. فلو زادت سرعة إنسان ما (في سفينة فضاء مثلا) إلى حوالي 87% من سرعة الضوء, فإن الزمن يبطؤ لديه بمعدل50%. فلو سافر على السفينة لمدة عشرة أعوام - مثلا - فسيجد ابنه المولود حديثًا قد أصبح عمره عشرين عامًا, أو أن أخيه التوأم يكبره بعشرة أعوام. إن (تمدد الزمن) والسفر في الزمن, بهذا المعنى, هو حقيقة مثلما أن الأرض كروية وأن المادة تتكون من ذرات وأن تحطيم الذرة يطلق طاقة هائلة. كما أن السفر بسرعة تقترب من سرعة الضوء هو أمر ممكن فيزيائيا وتكنولوجيا, فقد اقترح أحد العلماء تصميم سفينة فضائية تعتمد على محرك دمج نووي يستخدم المادة المنتشرة في الفضاء كوقود, وأن يتم التسارع بمعدل 1ج (وهو معدل التسارع على الكرة الأرضية). وفي تصميم كهذا يمكن أن تصل سرعة السفينة إلى سرعة قريبة من سرعة الضوء خلال عام واحد, وبالتالي يبطؤ الزمن إلى حد كبير, وبالنظر إلى التطور المستمر للتكنولوجيا حاليًا يصبح من المعقول تمامًا افتراض وصول تكنولوجيتنا في المستقبل إلى بناء مثل هذه السفينة النجمية. ويرى عالم الفلك كارل ساجان أن هذا يمكن أن يحدث خلال عدة مئات من السنين. وبناء على ذلك كون مجموعة من العلماء يرأسها الأمريكي كيب ثورن والروسي إيجور نوفيكوف ما أسموه بـ(كونسورتيوم) روسي - أمريكي لتحقيق تقنية تسمح بتكوين آلة للسفر في الزمان.

فماذا تعني هذه الحقائق بالنسبة لغير المتخصص في الفيزياء? هل تعني أن مفهومنا (الطبيعي) عن الزمن قد تغير? وكيف يمكن أن يكون العالم في ظل إمكان السفر عبر الزمان? وهل هذا مجرد خيال علمي? أم أنه يمكن أن يحدث فعلاً في المستقبل? هذه ليست سوى بعض التساؤلات التي تفرضها تلك الحقائق العلمية المحيرة.

ما الزمن?


لا يمثل الزمن بالنسبة للإنسان العادي سوى تتابع المواقيت الناتج عن شروق الشمس وغروبها وعن دوران الأرض حول الشمس, والقمر حول الأرض. أما الزمن عند العلماء فهو مفهوم أساسي لابد منه لضبط التجربة العلمية. ففي عصر العلم الحديث أصبح من الضروري طرح تصوّر للأسلوب العلمي يكفل إجراء التجربة العلمية بواسطة علماء مختلفين وتحقيق النتائج نفسها, وذلك يستلزم وجود مقياس دقيق للزمن ومرجعية ثابتة له بالنسبة لجميع العلماء. وكان هذا التصوّر هو التصوّر النيوتوني للزمن المطلق, فحسب اسحق نيوتن (الزمان المطلق الحقيقي, الرياضي, ينساب من تلقاء نفسه وبطبيعته الخاصة, باطراد دون علاقة بأي شيء خارجي, ويطلق عليه اسم الديمومة). وفي واقع الأمر كانت النظرة النيوتونية للكون ذي الزمان والمكان المطلقين ناجحة في تفسير 99% من حقائق الكون, وتمكنت من تحقيق تقدم كبير في العلم الحديث. ولكن مع تقدم العلم وزيادة دقة الملاحظات تكشفت العديد من الظواهر التي أدت إلى الشك في الصحة المطلقة للنظرة النيوتونية. فحسب قوانين نيوتن يجب أن تتغير سرعة الضوء بحسب سرعة واتجاه حركة مصدره, ولكن العلماء اكتشفوا في تجربة مشهورة, هي تجربة (ميكلسون - مورلي) عام 1887, أن سرعة الضوء ثابتة بغض النظر عن سرعة مصدره وعن اتجاه حركته. كما تبين من قياس حركة كواكب المجموعة الشمسية أنها تتفق مع نظرة نيوتن فيما عدا كوكب عطارد, حيث وجد فرق ضئيل جدا بين حسابات ميكانيكا نيوتن وحركته في الواقع, بالإضافة إلى هذا وذاك تعارضت ميكانيكا نيوتن مع نظرية جيمس كلارك ماكسويل عن الموجات الكهرومغناطيسية والتي تتعامل مع الضوء على أنه موجات وعلى أن سرعته ثابتة. ولم يكن هناك مفر من ظهور نظرية النسبية, فقدم ألبرت أينشتين نظرية النسبية الخاصة عام 1905 والنسبية العامة عام 1915.


انحناء الفضاء والنسبية العامة

تعرف الهندسة المستوية بالهندسة الإقليدية, نسبة إلى إقليدس الذي عاش حوالي عام 300ق.م وبواسطة هذه الهندسة يمكن توصيف أي شكل هندسي بواسطة نظام الإحداثيات الكارتيزية, أي استخدام الأسطح المستوية في توصيف الخطوط المنحنية والمجسمات الفراغية. والفضاء طبقا لهذه الهندسة هو فضاء مستو. ولم تكن تلك هي الهندسة الوحيدة الممكنة, فقد طرح لوباتشفسكي عام 1828 هندسة لاإقليدية ذات أسطح منحنية مفتوحة معتمدة على منحنى القطع الزائد. ثم طرح برنارد ريمان عام 1850 هندسة لاإقليدية معتمدة على السطح الكروي المنغلق, وطورها ويليام كليفورد عام 1870 وافترض احتمال أن يكون الفضاء الكوني رباعي الأبعاد ينطوي على تشوّهات وتضاريس تشابه تضاريس سطح الأرض. ولم يكن ينقص تصور كليفورد سوى التفسير الفيزيائي الصحيح حتى يتطابق مع نظرية النسبية العامة, التي طرحت بعد 45 عاما. فالبعد الرابع في الفضاء لم يكن سوى الزمن وتشوّهات الفضاء لم تكن سوى التأثيرات الجذبوية للأجسام.

وبتقديم آينشتين لنظرية النسبية الخاصة عام 1905 والتي وضع فيها معادلات حركة الأجسام في فضاء مستو رباعي الأبعاد, وبوجود الهندسة اللاإقليدية منذ زمن ثم طرحه لفكرة التواء الزمان والمكان بتأثير الجاذبية, تكونت لدى آينشتين المادة الخام لنظرية متكاملة للجاذبية يمكن أن تكون بديلاً لنظرية نيوتن. ولما لم يكن آينشتين بارعًا في الرياضيات فقد لجأ إلى صديقه في الدراسة مارسيل جروسمان, وكان قد أصبح آنذاك عميدًا لمعهد البوليتكنيك بزيوريخ, وكان بارعًا في الهندسة اللاإقليدية, ووجد الحل في هندسة ريمان للأسطح المنحنية المغلقة. وقدمت الصورة النهائية للنظرية في ثلاث جلسات في أكاديمية العلوم في برلين عام 1915, وطبعت عام 1916.



وكان من أهم نتائج النسبية العامة تغير نظرتنا إلى الكون, فالمكان والزمان ليسا خلفية ثابتة للأحداث, وإنما هما مساهمان نشيطان في ديناميات الكون. والفكرة الأساسية هي أنها تضم (بعد) الزمان إلى أبعاد المكان الثلاثة لتشكّل ما يسمى بمتصل (الزمكان). وتدمج النظرية تأثير الجاذبية بأن تطرح أن توزيع المادة والطاقة في الكون (يحني) و(يشوه) الزمكان بحيث أنه لا يكون مسطحا, ولما كان (الزمكان) منحنيا فإن مسارات الأجسام تظهر منحنية, وتتحرك كما لو كانت متأثرة بمجال جذبوي. وانحناء (الزمكان) لا يؤدي فقط إلى انحناء مسار الأجسام ولكنه أيضًا يؤدي إلى انحناء الضوء نفسه. وقد وجد أول برهان تجريبي لذلك عام 1919 حينما تم إثبات انحناء الضوء الصادر من أحد النجوم عند مروره بجوار الشمس بتأثير مجاله الجذبوي. وتم ذلك بمراقبة الموقع الظاهري للنجم خلال كسوف الشمس ومقارنته بموقعه الحقيقي. فالزمكان ينحني بشدة في حضور الأجسام ذات الكتلة الضخمة, ويعني ذلك أن الأجسام تنحرف في المكان أثناء الحركة وكذلك تنحني في الزمان بأن تبطئ زمنها الخاص نتيجة للتأثير الجذبوي لتلك الكتلة. فإذا تصوّرنا فضاء رباعي الأبعاد له ثلاثة أبعاد تمثل المكان وبعدا رابعا للزمان ورسمنا خط الحركة المنحنية للجسم مع تباطؤ الزمن على المحور الرابع, ظهر لنا (الزمكان) منحنيا بتأثير الكتلة الجاذبة.