هل للفراغ الكمومي طاقة؟

في الفيزياء الكمومية كل شيء من حيث الكمون حقيقي، أو من حيث الحقيقة افتراضي! فلم يعد يكفي، كما كان يعتقد الفيزيائيون الكلاسيكيون من القرن التاسع عشر، أن نرفع كل نوع من المادة وكل إشعاع كهرمغنطيسي حراري بتبريد الجهاز التجريبي إلى درجة الصفر المطلق. ذلك أنه سيبقى كمونياً شيء ما. ووفق مبدأ هايزنبرغ، ووفقها أن الجسيم موجود بالكمون، فإن الفراغ ممتلئ...ممتلئ بجسيمات افتراضية من المادة والمادة المضادة. إنها حالة الواقعية الكامنة غير المحرضة. وفي العشرينات من القرن الماضي عرف بول ديراك Paul Dirac الفراغ على أنه حالة الطاقة الدنيا لبنية ما. وكلمة دنيا لا تعنى معدومة، طالما أن الحقول لا يمكن أن تكون كلها معدومة في الوقت نفسه. أما الطاقة الدنيا لمجمل البنى، أي للكون، فهي مجموع كافة هذه الفراغات المحلية. وعند درجة حرارة صفر فإن كل نقطة من الفراغ تشتمل على إشعاع يسمى "إشعاع النقطة صفر"، كما أوحى بذلك ماكس بلانك Max Planck في عام 1912. وقد ربطت هذه الفكرة بعد بضعة سنوات بتموجات هذا الفراغ الكوانتي. فهذا الفراغ الكوانتي كما قلنا يتموج محلياً ومن هذه التموجات يمكن أن تتخلق أزواج من الجسيمات والجسيمات المضادة. فالفراغ الكوانتي ممتلئ بحقل كوانتي يسمح للمادة باكتساب كتلة عبر التفاعل مع بوزونات هيغز (وفقاً للنظرية المعيارية لا يمكن أن يكون للمادة كتلة). والفراغ الممتلئ بحقول هيغز وبوزونات هيغز له طاقة أقل أو أضعف من الفراغ الفارغ.


هل يحصل شيء ما في الفراغ؟

ولدت الفكرة العامة عما يمكن أن يحصل في الفراغ من تزاوج الميكانيك الكوانتي مع النظرية النسبية العامة: فالفراغ يتعارض مع حركات الأجسام المتسارعة غير المتجانسة. كان الفيزيائي ويلس لامب Willis Lamb قد بين في عام 1947 أنه حتى إذا كانت ذرة ما توجد في حالة طاقتها الأساسية وكانت معزولة في الفراغ، فإنها تتفاعل مع تموجات الفراغ. ويترجم ذلك من خلال تغير في تواترات امتصاصها للفوتونات. وفي عام 1948، بين الهولندي هندريك كازيمير أن تموجات الفراغ تؤثر على جدران تجويف معدني بتخليقها لقوة كهرمغنطيسية جاذبة وضعيفة جداً إنما حقيقية، لأنه وفقاً لمبدأ الريبة لهايزنبرغ فإن الحقل الكهربائي للفراغ لا يمكن أن يكون معدوماً في كل مكان. وقد أثبت أثر كازيمير هذا تجريبياً بعد عشر سنوات على يد الهولندي ماركوس سبارناي M. Sparnay. فقد استطاع أن يثبت تأثير المسافة بين الجدارين أو المرآتين على كثافة قوة الجذب. واستطاع فريق فرنسي في عام 1996 التنبؤ بأن فجوة في الفراغ مؤلفة من مرآتين عاكستين بشكل جزئي تصدر فوتونات إذا ما تحركت جيئة وذهاباً بتواتر مناسب. كذلك هناك ظاهرات أخرى ترتبط بالفراغ الكوانتي، ومنها مثلاً تبخر الثقوب السوداء الدقيقة التي تدور. فهذه الأجسام التي يقارب حجمها حجم البروتون، إنما التي تصل كتلتها إلى مليار طن وربما كانت قد تولدت خلال الانفجار الكبير، يمكن أن تشع طاقة مثل الثقوب السوداء النجمية وفق ما تنبأ به ستيفن هوكنغ في عام 1974. وقد أثبتت هذه الفرضية في عام 1976 بشكل تجريبي.

منقووول ...