غمامة من الجسيمات

ثمة جملة من المعطيات اليوم تأتي في صالح وجود بوزونات هيغز. فعلى سبيل المثال، إن مدة حياة بوزون Z كما وخصائص أخرى له يبدو أنها ترتبط بوجود غمامة من الجسيمات الافتراضية التي تحوم حوله. وتوحي التجارب التي تمت على بوزون Z بوجود جسيم هيغز تصل كتلته في حد أقصى إلى مائتي ضعف كتلة بروتون، يختفي في هذه الغمامة. وتشير المقارنة لكتلة بوزون W ولكتلة جسيم أولي معطى هو "الكوارك أعلى" إلى الأمر نفسه. "ويشكل ذلك عنصرا برهانين منفصلين أنه يوجد شيء ما يتصرف بطريقة أو بأخرى على أنه جسيم هيغز"، كما يشرح غوردون كان Gordon Kan، من جامعة ميشيغان. ويضيف: "في الظروف التجريبية في LHC ثمة يقين مطلق من إمكانية إثبات وجود جسيمات هيغز".
من المؤكد أن هذا الاكتشاف إذا تحقق يتمم النموذج المعياري. لكنه يظل غير كاف وحده للإجابة على أسئلة أكثر جوهرية، مثل معرفة إذا كانت التفاعلات الأربعة الأساسية في الطبيعة لها أصل مشترك، كما يشرح لنا ألدو دياندريا Aldo Deandrea، وهو نظري في جامعة ليون الأولى: "إذا اكتشفنا جسيم هيغز، وفقط جسيم هيغز، متجانس مع النموذج المعياري، فإننا لن نعرف عندها ما الذي سنفعله وكيف سنوجه أبحاثنا بعد ذلك".
وبالنسبة لمعظم الباحثين فإن مثل هذا الوضع لن يحصل، لأنهم يرون أن LHC سوف ينتج العديد من الاكتشافات الأخرى. وكثيرون منهم ينتظرون مثلاً أن يكتشف المصادم العملاق جسيمات تنبأت بها نظرية تسمى التناظر الفائق – supersymétrie "SuSy" – التي تقول بوجود "جسيم شريك فائق superpartenaire" أكبر كتلة لكل جسيم معروف.
يمكن أن يبدو مثل هذا الطرح معقدًا بشكل مدهش. لكنه يسمح بحل العديد من المسائل المتعلقة بالنموذج المعياري، ويفتح الطريق إلى نظرية أكثر جوهرية. وبشكل أدق، فإن نظرية التناظر الفائق تحل مشكلة طرحها وجود بوزون هيغز نفسه. فمثل بوزون Z، فإن جسيمات هيغز يجب أن تكون مغلفة في الواقع بجسيمات افتراضية تزيد من كتلتها بشكل كبير. إن نظرية التناظر الفائق تفسر لماذا يكون جسيم هيغز خفيفًا بالدرجة التي يبدو عليها ما أن تميل للانعدام الآثار على كتلة جسيم هيغز للجسيمات ونظرائها الفائقة.
تساعد نظرية التناظر الفائق أيضًا بتوحيد القوى الأساسية الأربع في الفيزياء، في حين أن النموذج المعياري لا يأخذ سوى ثلاث قوى بعين الاعتبار: القوة الكهرمغنطيسية، والتفاعل الضعيف والتفاعل الشديد. إن كثافة هذه القوى الثلاث تزداد مع مستوى الطاقة الذي تطبق عليه. أما في إطار التناظر الفائق فإن هذه القوى تمثل الكثافة نفسها على مستوى مماثل من الطاقة، قريب من طاقة بلانك. وبفضل نظرية التناظر الفائق فإن القوة الضعيفة والقوة الكهرمغنطيسية تتحدان بسهولة أكبر مع قوة الجاذبية في إطار نظرية تسمى النظرية الموحدة الكبرى كما يفسر فرانك ويلكزك Franck Wilczek الحائز على جائزة نوبل عام 2004.


المادة السوداء

وأخيرًا، فإن SuSy ستقدم تفسيرًا لطبيعة هذه "المادة السوداء" الغامضة، التي تساهم جاذبيتها الثقالية في تماسك المجرات. يعتقد الفيزيائيون أن المادة السوداء مؤلفة من جسيم، مستقر وحيادي الشحنة، لا يتفاعل إلا قليلاً جدًا مع المادة العادية. ويمثل حل الجسيم الفائق التناظر الذي يملك كتلة ضعيفة نسبيًا حلاً مناسبًا لتمثيل جسيم المادة السوداء. ومع كافة هذه العناصر التي تأتي في صالح SuSy فإنها تبدو جميلة جدًا إلى درجة أنه لا يمكن أن تكون خاطئة. "إن كافة هذه المؤشرات يمكن أن تقودنا إلى الخطأ. لكن في هذه الحالة فإن علوم الطبيعة تكون قد مازحتنا مزاحًا ثقيلاً وسيئًا جدًا"، كما يقول ساخرًا فرانك ويلكزك.
إن LHC يمكن أن يؤكد ظاهرات فيزيائية أكثر غرابة أيضًا من التناظر الفائق. ومن بينها نذكر وجود عناصر مشكلة للإلكترونات ولجسيمات أخرى تعتبر مع ذلك أنها أولية غير قابلة للانقسام. بل وكذلك ثقوبًا سوداء دقيقة بل وحتى أبعادًا جديدة للفضاء، لا يمكن أن تكون آثارها محسوسة إلا على مستويات عالية جدًا من الطاقة.
ونتابع ...