البدوية الجوفية التي أصبحت كفاءة يشار إليها بالبنان عالمياًَ







مكتب صغير بمركز الملك فهد الوطني للأورام، وروح وثابة، منفتحة على الجديد دائما، من كان يفكر أن تلك البدوية الآتية من الجوف سوف تصير كبيرة علماء أبحاث السرطان بالمملكة، وتحصل على جائزة هارفارد الأمريكية في التفوق العلمي في منافسة مع ثلاثمائة طبيب من بينهم أمريكيون وبريطانيون؟
قررت أن أدخل مكتب الدكتورة خولة الكريع الحاصلة على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى لأبحث في أسباب نجاحها، كنت قد حاولت الاتصال بها مرات عديدة، رسائلي على الهاتف النقال لها كانت تلقى علامات استفهام دائما من جانبها، وفي النهاية اتصل بي مدير مكتبها وذكرت له رغبتي في عمل حوار مع الدكتورة، وكلمتني الدكتورة خولة معتذرة عن عدم الرد في البداية لانشغالها بابنها سلطان الذي كسرت ساقه، وكانت متحفظة كثيرا وشعرت بالحميمية في صوتها، واتفقنا على موعد تم تأجيله أسبوعين لسفرها، أخيرا أنا هنا في مكتبها، سألت نفسي وأنا أدخل المكتب: هل أمد يدي لأصافحها ؟ ولم أكد أستقر على إجابة وإذا بالدكتورة تمد يدها لمصافحتي، كانت متحفظة في البداية، لكنني – وقد نجحت- أن أساعدها في أن تتخفف من رهبة الكلام وتستسلم للبساطة التي تطبع شخصيتها دائما، وساعدتني هي بابتسامتها التي لم تفارقها أبدا وهي تسرد التفاصيل وتستدعي بدايات التكوين، ثلاث ساعات من الحوار المتواصل، كان ينبغي أن يستمر الحوار لساعة واحدة، حيث إنها كان من المقرر أن تحضر اجتماع اللجنة العلمية بالمركز، لكنها فوجئت بأن الساعة قد بلغت الرابعة، وأنها لم تكن تتوقع أن الحوار سوف يأخذها كل هذا الوقت.
فنجان قهوة
فاجأتني الدكتورة خولة وهي تبتسم بطلب فنحان قهوة لها في بداية اللقاء، مبررة أنها تعودت على ذلك، وأنها تشعر أنها تنشطها، قالت كنت أنام قليلا جدا من أربع إلى خمس ساعات إلى أن تحدث كثيرون من الخبراء عن فوائد النوم وأنه يطيل العمر، فصرت أنام أكثر.
نشأة بدوية وبيت كبير
بادرتها بسؤال عن أسباب النجاح فقالت: مزيج من كل الأشياء كوني نشأت نشأة بدوية، في قرية صغيرة هي سكاكا الجوف في حي الطوير، الحياة في المدن الصغيرة بسيطة، ليست طبقية، الغني يحتوي الفقير، هناك كرم، هناك طيبة، هذا ما نشأت عليه، تعلمنا ونحن صغار أن التفاضل بنبل الإخلاق، كان أبي يقول «فلان أفضل من فلان، فبيته مفتوح» ما كان يقول فلان أغنى من فلان، فضلا عن أن أمي غير سعودية من الأردن، ربما علمني هذا أن أدخل في ثقافات وأحتوي أناسا مختلفين ، هذا شيء أضاف لي فيما أعتقد، من ناحية انفتاحي على الآخر، ربما كوني تزوجت في عمر مبكرة وجئت إلى الرياض فاحتككت بشريحة معينة، ثم رحلتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال دراستي ، هذه شخصيتي من الوضوح والصراحة أمام الناس، ما عندي شيء أخجل أو أخاف منه، لا أحب أن أتصنع، لا أحب أن أكون إنسانة وليدة اللحظة بحيث أن أظهر أمام رجل الدين بطريقة ، وأمام رجل الدولة بأخرى، وأمام رجل الصحافة بطريقة ثالثة، من حقك أن تقبلني أو ترفضني كلي، أما أن أغير نفسي حتى تتقبلني فهذا ليس مبدئي.
خولة بنت الأزور
وتحكي الطبيبة الشهيرة عن تسميتها بخولة فتقول: الوالد اختار لي اسمي خولة، كان متأثرا بتصرف خولة بنت الأزور، أنا الثالثة بين أخواتي، بيتنا في منطقة الطوير بالجوف كانت مساحته كبيرة، طبيعة البيوت كبيرة بالجوف فالبيت داخل مزرعة مساحتها أربعة وعشرون ألف متر، كانت حياة بذاتها، الوالد داخل البيت كان يشجع على التعليم ، كان يشتري أي شيء جديد في الالكترونيات يحفز على العلم ، كنت ترى البيت من الداخل في قمة التقدم والمواكبة للعصر ، وخارج البيت تنطلق بين الأشجار، جمعت أحلى ما في الأشياء داخل البيت وخارجه، المكان كان فيه نوع من السلام والروحانية، هذه الروح التي لا تجدها الآن في أجمل المنتجعات، الوالد كان يستقبل الناس في مجلسه، وكنا نأتي من المدرسة فنجد الدار حافلة بالضيوف، كانت المدرسة الوحيدة بالجوف تلك التي التحقت بها، أتذكر من زميلاتي بالمدرسة نعيمة العدوان، مرزوقة الربيعان، خولة الطويل، كان لي مع نعيمة ذكريات جميلة، كانت بنت الجوف «الجدعة»، وباعتبار أمي لم تكن سعودية كان لدي اختلاف عن الأخريات، كانت زميلاتي يضحكن علي من تناولي الزعتر وهو طعام معروف في الشام باعتبار والدتي أردنية ولكن لم يكن معروفا لدى الزميلات بالجوف، كانت نعيمة تفهم هذا الاختلاف، لم أكن تعودت أن أساعد في أمور البيت مثل بقية البنات من جيلي، كانت هذه المساعدة مثار فخر للبنات فيما بينهن، فلانة طبخت أول كبسة، أخرى استطاعت أن تسوي المرقوق، لم يكن البيت أبدا هوايتي، ما كانت تستهويني حصص التدبير المنزلي، وقد احتفظت بعلاقتي بمعلمتي مها سلطان السديري من المرحلة المتوسطة حتى الآن، وهناك مدرسات تمنيت أن أقابلهن مرة أخرى، أتذكر منهن مدرسة سورية اسمها ميادة، كانت مدرسة تاريخ، كنت أحتفظ بدرجاتي النهائية منذ الصف الأول الابتدائي ولا أنقص عنها ربع علامة، كانت مدرستي قادرة على أن تنزعني من الحاضر إلى الزمن القديم، كنت أحب هذه الحيلة البارعة، كنت وما زلت مأخوذة بهذه العوالم التي لم أعشها، كنت كثيرة الأسئلة، سريعة الإدراك، وكثيرا ما أثارتني أحداث تاريخية تمنيت لو أن لي يدا في تغييرها.
وبما أن التاريخ لا يكتبه سوى الأقوياء المنتصرين فربما تعمد هؤلاء تشويه صورة غيرهم.
معلمة التاريخ حفظتني القرآن
لكن معلمة التاريخ لم تكتف بتعليم خولة التاريخ، فقد اكتشفت أنها تتمتع بذاكرة قوية ، فضلا عن أنها قامت بدور مفسرة الأحلام، تقول الدكتورة خولة: طلبت مني معلمة التاريخ أن أحفظ سور القرآن الكبيرة بما أنني أتمتع بذاكرة قوية وصارت تتابعني في حفظ القرآن وقت الفسحة، وكنت في السنة السادسة الابتدائية، في مرة حلمت بأنني في مكان، إخواني فوق، وأنا مقهورة تحت، ورأيتني أطير إلى أن سبقتهم، وتكرر الحلم، وكانت تفسره لي بأنني سأسبق إخواني، وأنني سأقفز أعلى منهم بكثير، وقالت : إخوانك يعني أقرانك، وذكرتني بتقوى الله، ونسيت الحلم مع الأيام، وذات يوم كنت في طريقي للقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله وقفز الحلم إلى ذاكرتي.
السعودي يقدر السعودية
وتعلق الدكتورة على صورة لها بالمدرسة شاهدتها ضمن ألبوم مليء بالصور: كانت الدراسة لي متعة، لا أستطيع أن أطالب أولادي بهذا الآن، لم يكن لدينا أشياء تشد انتباهنا غير القراءة والاطلاع، القراءة لم تكن تحتاج دافعا خارجيا، كنت أراها متعة في حد ذاتها لم يكن أحد يدفعني إليها، مؤكد أن الأسرة نمت هذا الشيء، أنا أحب الناس، بحكم عملي، محبة الناس من الله تعالى، دائما أحسن الظن بالناس، أنا طبيعتي صبورة بحكم شغلي، الأبحاث التي تستغرق سنوات وتقتضي تكرار التجربة تهذب الأخلاق، هذه خصلة تعلمك الصبر على الناس، الرجل السعودي يقدر المرأة السعودية، هناك شريحة من المجتمع تؤلمني، هؤلاء لابد أن يخرجوا من القشرة التي وضعوا أنفسهم فيها، أنا يحزنني ويؤلمني أن يعلن أحد أنه ينجز الشيء الفلاني لينافس الدكتورة خولة، هذا يضر بالشخص، هناك أخلاقيات علمية يجب أن نراعيها، أنا أتبرك بماء زمزم، لكن عندما ينصح أحد مريض السرطان بأن يوقف علاجه ويستخدم ماء زمزم أقول له لا، ماء زمزم يتعارض مع بعض الأدوية الكيماوية، للأسف عندما أقول هذا أجد أشخاصا يحولونه ويحورونه ويلوون عنقه لتشويه الصورة، أنا أتكلم في العلم.
أقنعت والدي بأنني تعلمت القراءة
وتضيف معتزة بما فعلت: أنا أصررت على دخول المدرسة ولم أتجاوز سن الخامسة وبكيت فحن عليّ وكسرت خاطره، وأقنعته، كنت آتي بكتب أخي التي كان يدرسها في العام ذاته وأتلوها على أبي، ولأنني حفظت من تكرار أخي ما بالكتاب صرت أرددها ولم أكن قد تعلمت القراءة بعد، ولا أدري كيف اقتنع أبي أني أجيد القراءة دون أن يعلمني أحد، وذهبت إلى المدرسة كمستمعة، وكانوا قد بدأوا حرفي الألف والباء فأسرعت بكتابتها حتى ألحق بهم، أنا تزوجت وعمري ستة عشر عاما وبعض الشهور بعد أن حصلت على الثانوية العامة، ما كان لي اهتمامات مثل المراهقات، وكانت البنات يضحكن عليّ، كنا ندرس مدام كوري العالمة التي حصلت على نوبل مرتين مرة في الفيزياء، وأخرى في الكيمياء، وكانت البنات يقطعن صورتها ويكتبن عليها خولة التي لن تتزوج أبدا، كنت أقرأ روايات أجاثا كريستي البوليسية، من الأسباب التي وجهتني للأبحاث إحساسي القوي بالآخر، أنا أكتب النثر، أكتب مقالا شهريا في مجلة «هي»، أحيانا عن شيء طبي، أو مواضيع عامة، مكتب صغير ، قناعة ، أجمل الأشياء عندي، رأيت أثرياء على سرير الموت، وذهبوا وذهبت ثرواتهم، ولم يتبقَ منهم سوى أشيائهم الجميلة.
من الصحافة إلى الطب
وتتوقف الدكتورة خولة عند صورة لابنها نواف وهو طفل: عندما جاء نواف كنت صغيرة، لم أكن مدركة تماما الأمومة كما أدركها الآن، كنت مشغولة أيضا بالدراسة وكنت الثانية على المملكة في الثانوية العامة 99.9% ، وكنت في السنة الأولى من دخولي الطب، وجاء نواف، كنت أرتب نفسي على أن أكتب بالصحافة وأسير في الاتجاه الأدبي، وسألني والدي عن تصوري للصحفية فأجبته أسوي مقابلات، وألتقي شخصيات، وقال لي ما ينفع (كان وقتها لا ينفع حقا) ، وقال: أنت ماهرة في أشياء أخرى كثيرة فلماذا لا تتوجهين إليها؟ حاول معي، لكن في النهاية ترك لي الحرية فوجدتني أتجه إلى الطب، لم أكن أخطط لأصير طبيبة حتى السنة الثانية من المرحلة الثانوية، في لحظة صرت مسؤولة عن أسرة وبيت وطفل وزوج وأدرس الطب، المسألة كانت تبدو صعبة في البداية، أجمل ما في الطب كان في البداية مرحلة دراسة علوم الطب، وهذا أحببته، ثم بدأنا ندرس الطب الاكلينيكي، كان لدي شغالة ومربية أيضا، أنا أحب التخصص،فالشغالة تمارس عملها في البيت، والمربية تتولى نواف وتفهم جدول طعامه وشرابه، هكذا تعودت منذ أن كنت أما صغيرة، ما زلت أحتفظ بمربية نواف الفليبينية إلى الآن .
كان للقبول بالطب مقاييس أخرى ، هكذا تكشف الدكتورة خولة في مرحلة الطب بدأنا مجموعة كبيرة، كان القبول لا يعتمد على المقابلة الشخصية، وإنما يعتمد على النسبة، ما كان هناك اختبار قدرات كما هو الآن، كنا في الطب والعلوم التطبيقية ندرس المواد ذاتها : الكيمياء والأحياء والفيزياء والرياضيات، وكان هناك اختبار لغة فمن كانت لغته الأجنبية ضعيفة كان لا بد أن يدرس لغة، بالنسبة إليّ لم أكن محتاجة لدراسة اللغة ، كانت لغتي قوية منذ البداية، كنا بالصيف ندخل معاهد لغات بالأردن، لم نكن نضيع الوقت، كان يرسل إخواني إلى معاهد في لندن لتعلم اللغة، بالنسبة لي كان الوالد يخاف عليّ، وأنا كنت بطبيعتي لا أحب أن أبعد عنه، وكان يستغل وقت الصيف في تعليمي اللغات، وفي الكلية كانت البنات تتساءل من هذه البنت البدوية الآتية من الجوف ومعها لغة انكليزية؟ كنت مثار تعجب هؤلاء.
وتضيف الدكتورة خولة: الأولاد بالجامعة ما كانوا يحتكون بي باعتباري الأم الوحيدة بالدفعة رغم كوني أصغر منهم، أمومتي المبكرة خلقت نوعا من المسافة.
تعلمت الفرنسية وأدهشت معلمتي
وتحكي الدكتورة خولة التي تعلمت الفرنسية بجانب الانكليزية: أتذكر أنني عندما اخترت اللغة الفرنسية وكانت ضمن المواد الاختيارية وكان لا يختار الفرنسية سوى هؤلاء الذين يعيش أهلهم هناك ويتكلمونها بطلاقة فيما بينهم، لم أكن ذهبت إلى فرنسا سوى مرة واحدة، لكن كان عندي حب تعلم اللغات، كنت أنا حاملا وخجولة ، وليس لدي أصحاب باعتباري أحتاج كل دقيقة من وقتي، كانت بنات الجامعة منفتحات ومنطلقات، ويمضين الوقت على المقهى بالساعات، بعد أسبوعين أو ثلاثة من بداية دراستي للفرنسية (وكنت حاملا) سألت البنات اللاتي انحصرت المنافسة فيما بينهن عن نتائج الاختبار الذي أديناه معا، وكانت إجابة المعلمة الفرنسية أنه لا أحد منكن، لكن خولة حصلت على الدرجة النهائية من العشرين، وسألتني لماذا لا تتكلمين الفرنسية طالما أن لديك هذا الكم من المعرفة بها؟ بعدها صارت تركز معي على الجزء التطبيقي.
غريبة في الرياض
لكن الرياض التي انتقلت إليها خولة الزوجة والطالبة تختلف كثيرا عن الجوف، تحكي الدكتورة قائلة : كنت بالرياض غريبة، لم يكن أحد يعرفني نحن الذين اعتدنا أن يعرفنا الجميع في الجوف، البدو فيهم اعتداد بأنفسهم، وكان لدي هذا الاعتداد، وعندما التحقت بجامعة الملك سعود قررت أن أسير بطريقي ولا أسمح لأحد أن يكسر مجاديفي، أتذكر أنه عندما كنا ندرس مادة الرياضيات، شرحت المعلمة المصرية مسألة وطلبت منا حلها بخطوات محددة فناقشتها بأن المسألة يمكن أن تحل بطرق مختصرة، واقتنعت المعلمة بطريقتي، لكن الطلاب سخروا مني لكن تأييد المعلمة لي رد لي اعتباري.
هاربة من الجراحة أبدا
وتبرر الدكتورة هروبها من عالم الجراحة إلى أبحاث السرطان قائلة: الجراحة علم مختلف، فن، لابد أن تكون يدك سهلة، فيها قدر من الصنعة، أن تشرح وتقوم بتقفيل ما شرحته، وتحكي قائلة: في مرحلة أخرى بالطب مرحلة التشريح عشت عالما جديدا، المشرحة كانت مقبرة متحركة، الأولاد كانت مشرحتهم منظمة، أما مشرحتنا فكانت مليئة بالفورمالين، والجثث مقززة، وما زلت أتذكر رائحة الموت هذه، طلاب الطب فيهم طموح ونهم وقسوة، تقسو قلوبهم بهدف أن يصلوا إلى ما يريدون، كان يفجعني أن أرى الجثة باعتبار أنها لإنسان كان يملأ الأرض حركة، عرفت في التشريح أنني لن أكون جراحة ماهرة، فإذا كنت أستغرق في الأسئلة وأنا على جسم ميت فما بالك لو كان الجسم الذي أقوم بتشريحه حيا؟
وتضيف: الدكتور المرشد أجبرني أن أدخل معه غرفة العمليات فأغمى عليّ، لكن في الآخر تعلمنا وفتحنا وخيطنا، لكن ما كانت تستهويني الجراحة، والطلبة كانوا يتفاخرون بتفوقهم فيها.
ومع انشغالاتها وأبحاثها لا تفرط الدكتورة خولة في أناقتها تقول: أحب الأناقة مثلي مثل أية امرأة، في نيويورك كنت أذهب إلى معارض الأزياء أذهب أنا وابنتي ، أما إذا كنت أشارك في مؤتمر علمي، فلا تشغل بالي تلك العروض.
وتؤكد من جانب آخر حرصها على المشاركة الاجتماعية التي تأثرت كثيرا في الفترة الأخيرة: في السابق كنت أشارك في المناسبات الاجتماعية، الآن لا أشارك مضطرة بسبب الانشغالات والأبحاث ، إنما لو كانت المناسبة تخص بنات صديقاتي أذهب وأنا مبسوطة أن أشاركهن الفرحة، لأن هذه الأشياء هي التي تظل في الذاكرة.
الله يشفيهم
لكن نجاح خولة أحيانا ما يثير البعض ممن وصفهم الدكتور طه حسين بأنهم لا يعملون ويسوؤهم أن يعمل الناس، تقول خولة وعلى وجهها علامات دهشة من هؤلاء: لاشك أنك عندما تتميز في شيء تنظر الناس إليك، لكن ما يغضبني أن تتأول الأمور وتأخذ مسارا آخر، عندما أقوم ببحث علمي وأنشره في الصحافة ، هناك مواصفات معينة لنشر الأبحاث ، كونك تقوم بعمل أبحاث وتنشرها ويتم الحديث صحفيا أو أكاديميا عن جوانب ليست لها علاقة بالبحث نفسه فهذا ما يزعجني (نحن أول من سن نشر الأبحاث العلمية بمركز أبحاث مستشفى الملك فيصل في موازاة الصحافة الأمريكية ) ، أشفق على هؤلاء كثيرا، الله يشفيهم، المواقع الالكترونية والصحف صارت تستمتع بنشر تعليقات سخيفة، في الصحافة الأمريكية هناك تعليقات محترمة على الأبحاث المنشورة، هناك رقابة على التعليقات، هناك من يقول شكلها كذا، أو الدكتورة جميلة أو ليست جميلة، يسطحون الموضوع ، لا أعتقد أن شكلي ساهم في نجاح عملي أبدا أبدا، أن يكون لك حضور، كاريزما، هذا مطلوب حتى في رؤساء الدول ، لكن من الناحية العلمية فأنت تنشر بحثك وهناك لجنة علمية ، الشكل أو صغر العمر غالبا ما يكون له أثر سلبي ما هو إيجابي، عندما يكون لديك هذا الزخم من الإنتاج وتدعى إلى مؤتمر علمي على أبحاثك التي عملتها وعندما تذهب يفاجأون بطريقة مزعجة، هذا يحدث في كل مكان، دعيت إلى الجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان وكان لي كمية كبيرة من الأبحاث، كرئيس فريق، وفوجئوا بصغر سني ، ومن خلال تعليقاتهم على العشاء عرفت ذلك، وقتها كنت أتمنى أن أكون أكبر لأليق بمستوى أبحاثي، الآن لم يعد السن مشكلة بالنسبة لي، وصار لي حضور علمي، وأصبحت معروفة شكلا .
بدوية في أمريكا
وتربط الدكتورة خولة بين إحساسها بالانتقال من الجوف إلى الرياض وإحساسها بانتقالها من المملكة إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت محطة مهمة من النجاح، تقول: من النقلات التي حدثت في حياتي المعادلة الأمريكية ، دخولي الجورج تاون، تذكرت مرحلة قدومي من الجوف إلى الرياض، كنت أعرف من أنا، ودخلت جامعة الملك سعود ، نفس الإحساس، أمضيت ست سنوات بالولايات المتحدة ، اخترت العاصمة واشنطن حتى لا يبعد أولادي عني، الالتحاق بالجورج تاون كان له وضعه بالنسبة للأمريكيين أنفسهم، مستشفى من أعظم المستشفيات في أمريكا، روح المنافسة عالية، معك خريجون من هارفارد وغيرها من الجامعات القوية المعروفة، كانت من أصعب المراحل في حياتي ، وأنا خريجة جامعة الملك سعود، بيئة مختلفة تماما، كان علي أن أبذل مجهودا يعادل مائة ضعف زملائي في الجامعة لأصل إلى نفس المستوى، ليس عن ضعف مني، لكن هم يستخدمون الكمبيوتر، أنا كنت أستخدم الكتابة اليدوية، هم أسرع في الإنجاز وكان علي أن ألاحقهم، عندهم براعة في استخدام التكنولوجيا، هذه بيئتهم وأنت تدخل عليهم في مجال صعب وهو الطب.
بروفيسور يهودي عنصري «جنني وجننته»
وتحدق الدكتورة خولة في ألبوم صور المرحلة الأمريكية قائلة: إضافة إلى وجود مشجعين، كان هناك حساد، فقد كان هناك بروفيسور اسمه آدم ساندلر يكره المرأة بشكل عام، كان لي زملاء مسيحيون ويهود، لكنه كان يهوديا عنصريا، كان يكره أي طالب من منطقتنا العربية وكان يعطيني أشياء صعبة مقارنة بالآخرين و «جننته وجنني» وفي كلمة التخرج ما كان له إلا أن يوجه لي عبارة شكر لأنه لم يكن لديه شيء آخر يبيض وجهه به، كان يشكك في أن امرأة من هذه المنطقة يمكن أن تفعل شيئا، كأنه يقول لماذا أنت تتعبين نفسك وتأتين إلى هنا مع العلم بأنك سوف تقعدين في بيتك في النهاية ، وكنت أقول أنا معي أولادي، ولن أقعد بالبيت ، فأنا أولادي معي، وكنت أمارس حياتي بكل متعة ما بين العمل والأولاد ومتابعة الموضات، حتى أنني تعلمت قيادة السيارة وكنت أمارسها بشكل يومي. ( ص المدينة )