شركة انجاز لتصميم وتطوير المواقع الإلكترونية

صفحة 3 من 10 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 15 إلى 21 من 68

الموضوع: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

  1. #15
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    هل من الممكن أن يتجزأ الاجتهاد؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي اسم المفتي

    الواقع أن القضية قد اختلفوا فيها. وأول من رأيته أثارها الإمام الغزالي في "المستصفي" فبعد أن فرغ من ذكر الشروط التي لا بد منها للمجتهد قال: "دقيقة في التخفيف يغفل عنها الكثيرون" ثم قال:

    "اجتماع هذه العلوم الثمانية - يقصد شروط الاجتهاد - إنما يشترط في حق المجتهد المطلق الذي يفتي في جميع الشرع، وليس الاجتهاد عندي منصبًا لا يتجزأ، بل يجوز أن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد في بعض الأحكام دون بعض. فمن عرف طريق النظر والقياس فله أن يفتي في مسألة قياسية، وإن لم يكن ماهرا في علم الحديث. فمن ينظر في مسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها، وإن لم يكن قد حصل الأخبار التي وردت في مسألة تحريم المسكرات، أو في مسألة النكاح بلا ولى، فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلق لتلك الأحاديث بها، فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا؟ ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمي وطريق التصرف فيه، فما يضره قصوره عن علم النحو الذي يعرف قوله تعالى: (وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) [سورة المائدة:6] وقس عليه ما في معناه، وليس من شرط المفتي أن يجيب عن كل مسألة، فقد سئل مالك رحمه الله عن أربعين مسألة، فقال في ستة وثلاثين منها: لا أدري. وكم توقف الشافعي رحمه الله، بل الصحابة في المسائل. فإذا لا يشترط إلا أن يكون على بصيرة فيما يفتي، فيفتي فيما يدري ويدري أنه يدري ويميز بين ما لا يدري وبين ما يدري فيتوقف فيما لا يدري ويفتي فيما يدري".

    وما قاله الغزالي ذهب إليه جماعة، وعزاه الصفي الهندي إلى الأكثرين وحكاه صاحب "النكت" عن أبي علي الجبائي، وأبي عبدالله البصري من المعتزلة، قال ابن دقيق العيد: وهو المختار، لأنه قد تمكن العناية بباب من الأبواب الفقهية حتى تحصل المعرفة بمآخذ أحكامه، وإذا حصلت المعرفة بالمأخذ أمكن الاجتهاد.

    وذهب آخرون إلى المنع، لأن المسألة في نوع من الفقه ربما كان أصلها في نوع آخر منه، ومال إلى ذلك الشوكاني، لأن من لا يقتدر على الاجتهاد في بعض المسائل، لا يقتدر عليه في البعض الآخر، وأكثر علوم الاجتهاد يتعلق بعضها ببعض، ويأخذ بعضها بحجز بعض، ولا سيما ما كان من علومه مرجعه إلى ثبوت الملكة، فإنها إذا تمت كان مقتدرا على الاجتهاد في جميع المسائل، وإن احتاج بعضها إلى مزيد بحث. وإن لم تثبت لم يقتدر على شيء من ذلك، ولا يثق من نفسه لتقصيره، ولا يثق به الغير لذلك.

    ويؤيد الشوكاني ذلك: بأنهم اتفقوا على أن المجتهد لا يجوز له الحكم بدليل حتى يحصل له غلبة الظن بحصول المقتضى وعدم المانع، وإنما يحصل ذلك للمجتهد المطلق.. وأما غيره فلا يحصل له ذلك.. فإن ادعاه فهو مجازف، وتتضح مجازفته بالبحث معه.

    وقال المحقق ابن القيم في "أعلام الموقعين ":

    "الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام، فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره، أو من باب من أبوابه، كمن استفرغ وسعه في نوع من العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم، أو في باب الجهاد أو الحج، أو غير ذلك، فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه، ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الإفتاء بما لا يعلم في غيره، وهل له أن يفتي في النوع الذي اجتهد فيه؟ فيه ثلاثة أوجه: أصحها الجواز، بل هو الصواب المقطوع به. والثاني: المنع. والثالث: الجواز في الفرائض دون غيرها.

    فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله، وقد بذل جهده في معرفة الصواب: فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الأنواع.

    وحجة المنع تعلق أبواب الشرع وأحكامه بعضها ببعض، فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه، ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض، وكذلك الارتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به، وكتاب الحدود والأقضية والأحكام، وكذلك عامة أبواب الفقه.

    ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع أحكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والإجارات والرهون والنضال وغيرها، وعدم تعلقها بها، وأيضا فإن عامة أحكام المواريث قطعية، وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.

    فإن قيل: فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أو مسألتين هل له أن يفتي بهما؟

    قيل: نعم، يجوز في أصح القولين، وهما وجهان لأصحاب الإمام أحمد، وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله، وجزى الله من أعان الإسلام ولو بشطر كلمة خيرا، ومنع هذا من الإفتاء بما علم خطأ محض، وبالله التوفيق".

    وتجزؤ الاجتهاد يشبه ما عرفه عصرنا من أنواع التخصص الدقيق، فمثلا في القانون لا يوجد أستاذ في كل فروع القانون، بل في المدني أو الجنائي أو الإداري أو الدولي مثلا.. وقد يكون أحدهم أستاذا كبيرا يرجع إليه، ويؤخذ برأيه في اختصاصه، وهو شبه عامي في المجالات الأخرى.

    وعلى هذا يستطيع أستاذ الاقتصاد المتمكن إذا درس ما يتعلق به في الفقه الإسلامي والمصادر الإسلامية ـ دراسة مستوعبة ـ أن يجتهد في هذا الباب وحده لا يتعداه. ومثل ذلك أستاذ القانون الجنائي، أو الدستوري، أو أستاذ علم الاجتماع، كل في اختصاصه.

    وهذا إنما يتم بشرطين:

    الأول: أن تكون لديه الأهلية العلمية العامة للفهم والاستنباط، بمعنى أن عنده إلماما مناسبا بمثله بالشروط التي سبق ذكرها بالنسبة للمجتهد المطلق.

    الثاني: أن يدرس موضوعه أو مسألته دراسة مستوعبة، بحيث يحيط بها من جميع جوانبها، حتى يتمكن من الاجتهاد فيها.

    ولكن العلامة أحمد إبراهيم يرى أن مثل هذا لا ينبغي أن يسمى مجتهدا جزئيا، لأن ملكة الاجتهاد والاستنباط لا تتجزأ، وهي إذا ثبتت لشخص قدر بها على الاستنباط في كل أبواب الشريعة، فهو في الحقيقة محصل للأحكام في هذا الباب وعارف بأصوله وأدلته فقط. وليس هذا هو المراد بالاجتهاد وهذا ميل إلى القول بعدم التجزئ.

    ولا شك أن الاجتهاد الحقيقي والكامل هو الاجتهاد المطلق، والمجتهد المطلق هو القادر على النظرة المحيطة المستوعبة التي يعجز عنها المجتهد الجزئي. إن صحت تسميته مجتهدا. والذي يجدد للأمة دينها، كما بشر بذلك الحديث، إنما هو المجتهد بإطلاق، ولكنا لا نرفض ثمرات هذا النوع من الاجتهاد الجزئي، مادام قد قام على أساس علمي ومنهجي مكين. وجل أطروحات الدراسات العليا للماجستير أو الدكتوراه إنما هي لون من هذا الاجتهاد الجزئي، قصد به دراسة موضوع أو قضية معينة، واستيعابها من كل جوانبها. وبيان الحكم فيها. وكثيرا ما تؤدي إلى نتائج علمية لها قيمتها عند أهل الذكر

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  2. #16
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    كيف يعرف المسلم المصالح والمفاسد أمن العقل أم من الشرع؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    المصالح المرعية: إما مصالح دنيوية، أو مصالح أُخروية، أو مصالح دنيوية وأُخروية معاً. ومثل ذلك المفاسد من غير شك.
    وكل منها له طريق إلى معرفته من العقل أو من الشرع أو من كليهما.

    وقد فصَّل الإمام عز الدين بن عبد السلام " فيما تُعرف به المصالح والمفاسد وفي تفاوتهما ".
    وما أبلغ ما قاله في كتابه الفريد " قواعد الأحكام في مصالح الأنام ":
    " ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل، وذلك معظم الشرائع؛ إذ لا يخفى على عاقل قبل ورود الشرع أن تحصيل المصالح المحضة، ودرء المفاسد المحضة من نفس الإنسان وعن غيره محمود حسن، وأن تقديم أرجح المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن.
    واتفق الحكماء على ذلك. وكذلك الشرائع على تحريم الدماء والأبضاع والأموال والأعراض، وعلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال.
    وإن اختُلِف في بعض ذلك، فالغالب أن ذلك لأجل الاختلاف في التساوي والرجحان، فيتحير العباد عند التساوي ويتوقفون إذا تحيروا في التفاوت والتساوي.
    وكذلك الأطباء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما، ويجلبون أعلى السلامتين والصحتين ولا يبالون بفوات أدناهما، ويتوقفون عند الحيرة في التساوي والتفاوت، فإن الطب كالشرع وُضِع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام، ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك، ولجلب ما أمكن جلبه من ذلك. فإن تعذر درء الجميع أو جلب الجميع، فإن تساوت الرّتب تخيَّر، وإن تفاوتت استعمل الترجيح عند عرفانه، والتوقف عند الجهل به. والذي وضع الشرع هو الذي وضع الطب، فإن كل واحد منهما موضوع لجلب مصالح العباد ودرء مفاسدهم.
    وكما لا يحل الإقدام للتوقف في الرجحان في المصالح الدينية حتى يظهر له الراجح، فكذلك لا يحل للطبيب الإقدام مع التوقف في الرجحان إلى أن يظهر له الراجح، وما يحيد عن ذلك في الغالب إلا جاهل بالصالح والأصلح، والفاسد والأفسد، فإن الطباع مجبولة على ذلك بحيث لا يخرج عنه إلا جاهل غلبت عليه الشقاوة أو أحمق زادت عليه الغباوة. فمن حرَّم ذبح الحيوان من الكفرة، رام ذلك مصلحة للحيوان فحاد عن الصواب؛ لأنه قدم مصلحة حيوان خسيس على مصلحة حيوان نفيس، ولو خلوا عن الجهل والهوى لقدَّموا الأحسن على الأخس، ولدفعوا الأقبح بالتزام القبيح: ( فمن يهدي من أضل الله، وما لهم من ناصرين )؟! (الروم: 29). فمن وفَّقه الله وعصمه أطلعه على دق ذلك وجله، ووفقه للعمل بمقتضى ما أطلعه عليه، فقد فاز، وقليل ما هم. قال ( الشاعر ):

    وقد كنا نعُدهمو قليلاً
    فقد صاروا أقل من القليل!

    وكذلك المجتهدون في الأحكام، من وفَّقه الله وعصمه من الزلل أطلعه الله على الأدلة الراجحة فأصاب الصواب، فأجره على قصده وصوابه، بخلاف من أخطأ الرجحان فإن أجره على قصده واجتهاده، ويُعفى عن خطئه وزلَلِه. وأعظم من ذلك الخطأ فيما يتعلق بالأصول.
    واعلم أن تقديم الأصلح فالأصلح ودرء الأفسد فالأفسد مركوز في طبائع العباد، نظراً لهم من رب الأرباب، كما ذكرنا في هذا الكتاب، فلو خيَّرتَ الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ لاختار الألذ، ولو خُيِّر بين الحسن والأحسن لاختار الأحسن، ولو خُيِّر بين فلس ودرهم لاختار الدرهم، ولو خُيِّر بين درهم ودينار لاختار الدينار. ولا يُقدِّم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح، أو شقي متجاهل لا ينظر إلى ما بين المرتبتين من التفاوت ".
    وأما مصالح الآخرة ومفاسدها فلا تُعرف إلا بالنقل.
    ومصالح الدارين ومفاسدهما في رتب متفاوتة. فمنها ما هو في أعلاها، ومنها ما هو في أدناها، ومنها ما يتوسط بينهما، وهو مقسم إلى متفق عليه ومختلف فيه.
    فكل مأمور به ففيه مصلحة الدارين أو إحداهما، وكل منهي عنه ففيه مفسدة فيهما أو في إحداهما، فما كان من الاكتساب محصلاً لأحسن المصالح فهو أفضل الأعمال، وما كان منهما محصلاً لأقبح المفاسد فهو أرذل الأعمال. فلا سعادة أصلح من العرفان والإيمان وطاعة الرحمن، ولا شقاوة أقبح من الجهل بالديَّان والكفر والفسوق والعصيان.
    ويتفاوت ثواب الآخرة بتفاوت المصالح في الأغلب، ويتفاوت عقابها بتفاوت المفاسد في الأغلب، ومعظم مقاصد القرآن الأمر باكتساب المصالح وأسبابها. والزجر عن اكتساب المفاسد وأسبابها، فلا نسبة بمصالح الدنيا ومفاسدها إلى مصالح الآخرة ومفاسدها، لأن مصالح الآخرة خلود الجنان ورضا الرحمن، مع النظر إلى وجهه الكريم، فيا له من نعيم مقيم! ومفاسدها خلود النيران وسخط الديَّان مع الحجب عن النظر إلى وجهه الكريم، فيا له من عذاب أليم!
    والمصالح ثلاثة أنواع: أحدها مصالح المباحات، الثاني مصالح المندوبات، الثالث مصالح الواجبات.
    والمفاسد نوعان: أحدهما مفاسد المكروهات، الثاني مفاسد المحرَّمات.

    أما مصالح الدارين وأسبابها ومفاسدهما فلا تُعرف إلا بالشرع، فإن خفي منها شيء طُلِب من أدلة الشرع، وهي الكتاب والسُنَّة والإجماع والقياس المعتبر والاستدلال الصحيح، وأما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طُلِب من أدلته، ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهمافليعرض ذلك على عقله، بتقدير أن الشرع لم يرد به، ثم يبني عليه الأحكام، فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك، إلا ما تعبَّد الله به عباده، ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها، مع أن الله عز وجل، لا يجب عليه جلب مصالح الحسن، ولا درء مفاسد القبيح، كما لا يجب عليه خلق ولا رزق ولا تكليف ولا إثابة ولا عقوبة، وإنما يجلب مصالح الحسن ويدرأ مفاسد القبيح طَوْلاً منه على عباده وتفضلاً.

    والله أعلم

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  3. #17
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    هل من الضروري على الفقيه أن يبين الحكمة من كل تشريع سواء في العبادات أو العادات ؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي اسم المفتي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    بيان الحكمة من التشريع، حتى يقتنع به العقل، ويطمئن به القلب لا بأس به، فإن الله تعالى حكيم، لم يشرع شيئًا إلا لحكمة، كما لم يخلق شيئًا إلا لحكمة. وهو كما تنزه عن الباطل في خلقه (ربَّنا ما خلقتَ هذا باطلاً سبحانك) (آل عمران :191) تنزه عن العبث في شرعه، حتى إن القرآن الكريم جعل للعبادات المحضة عللاً وحِكَمًا مفهومة... كما في قوله عن الصلاة : (إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكرِ) (العنكبوت : 45) وقال في تعليل فرضية الصيام: (لعلكم تتقون) (البقرة: 183) وفي الحج: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ويَذْكُروا اسمَ اللهِ) (الحج: 28) كما قال في الزكاة: (تُطَهِّرُهم وتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: 103).
    وينبغي الاستفادة مما يكتبه الاختصاصيون في هذا العصر، مِمَّا يُفيدنا في بيان حكمة الشرع، واشتماله على أعلى المصالح للبشر، مثل ما يكتبه الأطباء في بيان مضار الخمر وأكل لحم الخنزير، والأمراض الخطيرة التي تنشأ من اقتراف الزنى، والشذوذ الجنسي، ونحو ذلك.
    ومثله ما يكتبه الاقتصاديون عن الآثار المدمرة للربا في الحياة الإنسانية..
    وما يكتبه النفسيون عن أثر الصلاة والعبادة في تكوين الشخصية السوية القوية المتمتعة بالسكينة والطمأنينة، والتي لا تنهار لأوّل صدمة.
    على أنه يجب الحذر والتحذير من التعليلات (القاصرة) التي تفتح بابًا للمتحللين والمنكرين، مثل تعليل تحريم الربا باستغلال حاجة الفقير، وتعليل تحريم الزنى بمنع اختلاط الأنساب، فهذه وما شابهها تعليلات صحيحة، ولكنها قاصرة لا تغطي كل الصور الواقعية.
    ففي عصرنا نجد أصحاب الملايين يذهبون إلى البنوك ليَسْتَقْرِضُوا بالربا، فلم يَعُدْ ذلك مقصورًا على مَن يَستدين لمأكله وملبسه.
    كما أن هناك من تزني وهي تتناول الحبوب المانعة للحمل، أو تزني بعد سن اليأس، أو تزني وهي حامل، فلا احتمال في هذه الصور لاختلاط الأنساب، لهذا نحذر من هذه التعليلات القاصرة.
    ولا يقتصر بيان الحكمة على المعاملات، بل يشمل العبادات، كما أشرنا إلى ذلك.
    لهذا كان مما ينبغي العناية به في الفقه الميسر المعاصر: بيان الأسرار الباطنة للعبادات المفروضة، فمما لا ريب فيه أن للعبادات الإسلامية حِكَمًا وأسرارًا ينبغي الالتفات إليها، والاهتمام بإبرازها.
    فالعبادة جسم وروح، فجسم العبادة هو الشروط والأركان الظاهرة التي تؤديها الجوارح، أما روحها فهي: التقوى والإخلاص والإحسان الذي فسره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". (متفق عليه: اللؤلؤ والمرجان ـ حديث رقم 5 ـ عن أبي هريرة) وهذه لباب العبادة. أما الرسوم الظاهرية فهي قشرها.
    ولهذا قال تعالى في هدايا الحج وذبائحه: (لن يَنالَ اللهَ لحومُها ولا دماؤها ولكن يَنالُه التَّقْوَى مِنْكُم) (الحج: 37).
    وقال في الصلاة : (قد أفلحَ المؤمنون. الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون: 1،2)
    وقال في الصوم : (كُتِبَ عليكم الصيامُ كما كُتِبَ على الذين من قبلِكم لعلكم تتّقون) (البقرة: 183) وفي الصحيح: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". (رواه البخاري في كتاب الصوم من صحيحه عن أبي هريرة)
    إنَّ عَيْب الفقهاء في كتبهم ـ في الأعم الأغلب ـ أنَّهم وجَّهوا عنايتهم إلى الظاهر، ولم يلتفتوا كثيرًا إلى الباطن، فإذا بحثوا في الصلاة دار بحثهم كله حول توافر الأركان والشروط المتصلة بصورة الصلاة، وظاهر المُصلِّي، أما روح الصلاة ـ وهو الخشوع وحضور القلب ـ فهم بمعزل عنه. وإذا تحدثوا عن ذلك، فلابد أن يكون ذلك بصفة أخرى غير صفة الفقيه.
    ولهذا نجد الإمام الغزالي يتحدث عن الجوانب الظاهرة والشكلية التي يعتني بها إخوانه وتلاميذه من أهل الفقه. ثم يقفز قفزة إلى الأمام وإلى أعلى، ليتحدث عن الأسرار والروح. كما نجد ذلك في الربع الأول من (الإحياء)، فهو يتحدث عن الصلاة، وشروطها، ثم يثب وثبة عالية، ليتحدث عن الخشوع والخاشعين.
    وكذلك في الزكاة والصيام والحج : يتحدث عن الأسرار الباطنة وراء كل عبادة من هذه العبادات. وهذا ما ينبغي للفقه المعاصر ألا يغفله.

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  4. #18
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    ما حكم الإسلام فى العامة الذين يتجرؤن على الإفتاء بالتحليل والتحريم؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

    بسم الله الرحمن الرحيم
    إن الإسلام حدد السلطة التي تملك التحليل والتحريم فانتزعها من أيدي الخلق، أيا كانت درجتهم في دين الله أو دنيا الناس، وجعلها من حق الرب تعالى وحده. فلا أحبار او رهبان، ولا ملوك أو سلاطين، يملكون أن يحرموا شيئا تحريما مؤبدا على عباد الله. ومن فعل ذلك منهم فقد تجاوز حده واعتدى على حق الربوبية في التشريع للخلق، ومن رضي بعملهم هذا واتبعه فقد جعلهم شركاء لله واعتبر اتباعه هذا شركا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) سورة الشورى:21.

    وقد نعى القرآن على أهل الكتاب (اليهود والنصارى) الذين وضعوا سلطة التحليل والتحريم في أيدي أحبارهم ورهبانهم، فقال تعالى في سورة التوبة: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم، وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا، لا إله إلا هو، سبحانه عما يشركون) سورة التوبة:31.

    وقد جاء عدي بن حاتم إلى النبي -وكان قد دان بالنصرانية قبل الإسلام- فلما سمع من النبي هذه الآية، قال: يا رسول الله! إنهم لم يعبدوهم. فقال: (بلى، إنهم حرموا عليهم الحلال، وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم).

    وفي رواية أن النبي عليه السلام قال تفسيرا لهذه الآية: (أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئا استحلوه وإذا حرموا عليهم شيئا حرموه).

    ولا زال النصارى يزعمون أن المسيح أعطى تلامذته -عند صعوده إلى السماء- تفويضا بأن يحللوا ويحرموا كما يشاؤون، كما جاء في إنجيل متى 18:18 (الحق أقول لكم، كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء).
    كما نعى على المشركين الذين حرموا وحللوا بغير إذن من الله.
    قال تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا، قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون) سورة يونس:59.

    وقال سبحانه (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب: هذا حلال وهذا حرام، لتفتروا على الله الكذب، إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) سورة النحل:116.

    ومن هذه الآيات البينات، والأحاديث الواضحات عرف فقهاء الإسلام معرفة يقينية أن الله وحده هو صاحب الحق في أن يحل ويحرم، في كتابه أو على لسان رسوله وأن مهمتهم لا تعدوا بيان حكم الله فيما أحل وما حرم (وقد فصل لكم ما حرم عليكم) سورة الأنعام:119. وليست مهمتهم التشريع الديني للناس فيما يجوز لهم وما لا يجوز. وكانوا -مع إمامتهم واجتهادهم- يهربون من الفتيا، ويحيل بعضهم على بعض، خشية أن يقعوا -خطأ- في تحليل حرام أو تحريم حلال.

    روى الإمام الشافعي في كتابه (الأم) عن القاضي أبي يوسف صاحب أبي حنيفة قال: "أدركت مشايخنا من أهل العلم يكرهون الفتيا، أن يقولوا: هذا حلال وهذا حرام إلا ما كان في كتاب الله عز وجل بينا بلا تفسير. حدثنا ابن السائب عن الربيع ابن خيثم -وكان من أفضل التابعين- أنه قال: إياكم أن يقول الرجل: إن الله أحل هذا أو رضيه، فيقول الله له: لم أحل هذا ولم أرضه! أو يقول: إن الله حرم هذا، فيقول الله: كذبت، لم أحرمه ولم أنه عنه". وحدثنا بعض أصحابنا أنهم كانوا إذا أفتوا بشيء أو نهوا عنه قالوا : هذا مكروه، وهذا لا بأس به، فأما أن نقول: هذا حلال وهذا حرام فما أعظم هذا!!

    هذا ما نقله أبو يوسف عن السلف الصالح، ونقله عنه الشافعي وأقره عليه، كما نقل ابن مفلح عن شيخ الإسلام ابن تيمية: أن السلف لم يطلقوا الحرام إلا على ما علم تحريمه قطعا.

    وهكذا نجد إماما كأحمد بن حنبل يسأل عن الأمر فيقول: أكرهه أو لا يعجبني، أو لا أحبه، أو لا أستحسنه.

    ومثل هذا يروى عن مالك، وأبي حنيفة وسائر الأئمة رضي الله عنهم.
    (انتهى كلام الشيخ )

    فإذا كان هذا شأن الفقهاء العلماء الأجلاء ، فالأولى بالعامة ألايقحموا أنفسهم فى هذا المجال . المحرر

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  5. #19
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    ما هي الأسس التي بنى عليها الشيخ القرضاوي فقهه الميسر في فتاوى الحج ؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    للإجابة على هذا السؤال أضع بعض الحقائق الأساسية :ـ
    الحقيقة الأولى:
    إن الذي نتقيد به ونلتزمه وجوبا، هو النص المعصوم من كتاب الله تبارك وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بموجب عقد الإيمان (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) الأحزاب:
    الحقيقة الثانية:
    ما أجمع عليه العلماء إجماعا مُتَيَقَّنا ـ لا مُدَّعًى ـ فنحن ملتزمون به، لأن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، ما لم يكن هذا الإجماع مبنيا على ظرف أو وضع لم يعد قائما.
    الحقيقة الثالثة:
    إن ما اختلف فيه العلماء، فهو رحمة بالأمة، وسعة لها، ومن حق أهل العلم أن يختاروا من هذه الآراء المختلفة ما هو أقوم قيلا، وأهدى سبيلا، وهذا أمر تختلف فيه العقول والمدارك، من حيث النظر إلى الظواهر أو إلى المقاصد، ومن حيث الميل إلى التيسير أو التشديد. ومن حيث قوة الاستنباط أو ضعفه.
    الحقيقة الرابعة:
    إن اختيارنا وترجيحنا لهذه الآراء الميسرة في فقه الحج ـ لاعتبارات ترجحت لنا، في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدهاـ لا يعني بحال تجريح الآراء المخالفة، أو الطعن في أصحابها، معاذ الله، وبعضهم أئمة كبار، لهم مقامهم في العلم والدين، وبعضها آراء الجمهور. ولكن الله تعالى لم يضمن لنا العصمة إلا للرسول صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأمة كلها بيقين لا شك فيه.
    الحقيقة الخامسة:
    إن هذا الدين قام على اليسر ورفع الحرج عن المكلفين، كما دلت على ذلك النصوص المتوافرة من القرآن والسنة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتيسير لا التعسير، فقال: " يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" وقال: " إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين " وكان من أوصافه عليه السلام: أنه ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.
    الحقيقة السادسة:
    إن عصرنا هذا خاصة أحوج ما يكون إلى فقه التيسير، لغلبة المادية على العقول، وغلبة الشهوات على الأنفس، وازدحام الحياة المعاصرة بأمور كثيرة: شغلت الناس عن دينهم، وعن حق ربهم عليهم، فكان علينا ـ أهل العلم والدعوة ـ أن نمسك الناس على الدين، ولو بخيط دقق، حتى لا يتفلتوا منه سراعا، وأن نحبب الله جل وعلا إليهم بتخفيف تكاليفه عليهم، ما وجدنا إلى ذلك سبيلا.
    الحقيقة السابعة:
    إن الحج عبادة خاصة، أشد حاجة إلى التيسير من سائر العبادات الأخرى لعدة أسباب:
    أولا: إن كثيرا من الناس قد يؤدي هذه الشعيرة، في ظروف مادية وصحية غير مواتية تماما، وقد سافر وارتحل عن أهله ووطنه، والسفر قطعة من العذاب.
    وثاينا: لشدة الزحام الذي يشكو منه المسلمون كافة في مواسم الحج طوال السنوات الأخيرة، وهذا من فضل الله تعالى على أمة الإسلام، وخصوصا عند الدفع من عرفات، والمبيت بمزدلفة، والمبيت بمنى، وعند طواف الإفاضة، ورمي الجمرات. ولا سيما مع قلة الوعي لدى كثيرين من الحجاج، فكلما يسرنا على الناس في أداء مناسكهم، أعناهم على حسن العبادة لربهم، وفي هذا خير كثير.
    وثالثا: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يسر كثيرا في أمور الحج خاصة، فيحن سئل يوم النحر عن أمور شتى قدمت أو أخرت، قال لمن سأله: افعل ولا حرج. كما أنه نهى في الحج خاصة عن الغلو في الدين، حين قال للفضل بن العباس حين التقط الحصى للرمي " بمثل هذا فارموا وإياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين".

    والله أعلم

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  6. #20
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    لماذا لم يذكر "الإجماع" و"القياس" ضمن مصادر المعرفة بالأحكام الشرعية؟

    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

    لم يذكر الإجماع والقياس ضمن مصادر المعرفة بالأحكام الشرعية لعدة أسباب :ـ
    أولا: أن هذين المصدرين يذكران ـ مع الكتاب والسنة ـ بالنسبة "للأحكام الفرعية العملية"، التي يعنى بها "علم الفقه". والحديث عن أحكام الإسلام كلها التي تشمل ـ مع الأحكام الفقهية ـ العقائد والأخلاق والفكر والسلوك. يعتمد فيه على المصدرين الأساسيين: القرآن والسنة.

    وثانيا: أن هذين المصدرين ـ الإجماع والقياس ـ إنما استدل على إثباتهما بالقرآن والسنة، وبهذا ثبتت حجتيهما لا بذاتهما. ومعنى هذا: أن الأصل في الاستمداد والاستدلال هو القرآن والسنة.

    وثالثا: أن الكتاب والسنة هما المصدران القطعيان المعصومان اللذان لا يخالف مسلم صحيح الإسلام في حجيتهما بخلاف الإجماع والقياس، ففيهما كلام كثير مذكور في أصول الفقه.
    وإن كان جمهور الأمة يعتبرونهما.

    هناك كلام في الإجماع: في إمكانه، وفي وقوعه، وفي العلم به إذا وقع، وفي حجيته بعد العلم به.

    وهناك كلام في القياس وحجيته وشروط قبوله. ونزاع الظاهرية وغيرهم في ذلك معلوم غير مجهول.

    وبهذا تحددت مصادر المعرفة بأحكام الإسلام، وبعبارة أخرى: تحددت "المرجعية العليا" للإسلام.

    فليست هي لمجمع من المجامع الدينية أو العلمية، كما عرف ذلك عند النصارى ومجامعهم المسكونية المقدسة.

    وليست هذه المرجعية لرئيس ديني، مهما علا كعبه في العلم والتقوى، فليس لدي المسلمين "بابا" يوصف بالقداسة والعصمة، كما عند غيرهم.

    وليست هذه المرجعية لمدرسة أو مذهب، أو طريقة، قلدها مقلدون في مجال الاعتقاد والفكر، أو في مجال الفقه والتشريع، أو في مجال التربية والسلوك.

    فما وجد من ذلك في تاريخ الإسلام وتراثه إنما هو اجتهادات بشر غير معصومين، في فهم الإسلام والعمل به، يؤخذ منهم، ويرد عليهم، من أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله، مادام هذا الاجتهاد صادرا من أهله في محله، مصحوبا بالنية الصالحة.

    تحددت المرجعية العليا في الإسلام للمصدرين الإلهيين المعصومين: القرآن والسنة، اللذين أمرنا باتباعهما، وأن نرد إليهما ما تنازعنا فيه.

    وإن شئت قلت: هو مصدر واحد، أو مرجع واحد، هو "الوحي الإلهي"، سواء أكان وحيا جليا متلوا، وهو القرآن، أم وحيا غير جلي ولا متلو، وهو السنة.

    أما عمل "العقل الإسلامي" في تفسير القرآن، وشرح الحديث، واستنباط الأحكام، فلا عصمة له في مفرداته وجزئياته. ولكنه ـ في مجموعه ـ ضروري لفتح المغاليق، وتبيين الطريق، وترشيد الفهم، وتسديد الاستنباط والاجتهاد، حتى لا تزل الأقدام، وتضل الأفهام.

    والله أعلم

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



  7. #21
    مستشار فيزيائي
    Array
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    الدولة
    القاهرة
    العمر
    79
    المشاركات
    4,349
    شكراً
    0
    شكر 0 مرات في 0 مشاركات
    معدل تقييم المستوى
    197

    مشاركة: لثقافة المسلم : أصول الفقه - سؤال وجواب أهل العلم

    نريد من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن يحدثنا عن جلال منصب الفتوى وكيف كان السلف رضوان الله عليهم يتعاملوا مع الفتوى ؟
    الدكتور الشيخ يوسف عبد الله القرضاوي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
    يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
    الفتوى منصب عظيم الأثر، بعيد الخطر، فإن المفتي ـ كما قال الإمام الشاطبي ـ قائم مقام النبي صلى الله عليه وسلم فهو خليفته ووارثه "العلماء ورثة الأنبياء" وهو نائب عنه في تبليغ الأحكام، وتعليم الأنام، وإنذارهم بها لعلهم يحذرون، وهو إلى جوار تبليغه في المنقول عن صاحب الشريعة، قائم مقامه في إنشاء الأحكام في المستنبط منها بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه ـ كما قال الشاطبي ـ شارع، واجب اتباعه، والعمل على وفق ما قاله، وهذه هي الخلافة على التحقيق.

    واعتبر الإمام أبو عبدالله بن القيم المفتي موقعا عن الله تعالى فيما يفتي به، وألف في ذلك كتابه القيم المشهور "إعلام الموقعين عن رب العالمين" الذي قال في فاتحته:
    "إذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا ينكر فضله، ولا يجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟!"

    وقد عرف السلف رضي الله عنهم للفتوى كريم مقامها، وعظيم منزلتها وأثرها في دين الله وحياة الناس، ومن هذا تهيبهم للفتوى ، وتريثهم في أمرها، وتوقفهم في بعض الأحيان عن القول، وتعظيمهم لمن قال: "لا أدري" فيما لا يدري، وإزراؤهم على المتجرئين عليها دون اكتراث، استعظاما منهم لشأنها، وشعورا بعظم التبعة فيها.

    وأول الناس في ذلك الصحابة، فكان كثير منهم لا يجيب عن مسألة حتى يأخذ رأي صاحبه، مع ما رزقوا من البصيرة والطهارة والتوفيق والسداد، كيف لا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل أحيانا فلا يجيب حتى يسأل جبريل؟
    وكان الخلفاء الراشدون ـ مع ما آتاهم الله من سعة العلم ـ يجمعون علماء الصحابة وفضلاءهم عندما تعرض لهم مشكلات المسائل، يستشيرونهم، ويستنيرون برأيهم، ومن هذا اللون من الفتاوى الجماعية نشأ ـ الإجماع في العصر الأول ـ.
    وكان بعضهم يتوقف عن الفتوى فلا يجيب ويحيل إلى غيره أو يقول: لا أدري. قال عتبة بن مسلم: صحبت ابن عمر أربعة وثلاثين شهرا، فكان كثيرا ما يسأل فيقول: لا أدري!

    وقال ابن أبي ليلى: أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، فيردها هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول، وما منهم من أحد يحدث بحديث، أو يسأل عن شيء، إلا ود أخاه كفاه!
    وقال عطاء بن السائب: أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسأل عن شيء فيتكلم وإنه ليرعد.
    وقال عمر بن الخطاب: أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار.
    وقال ابن مسعود: والله إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.
    وروي عن ابن عباس: إذا أخطأ العالم "لا أدري" أصيبت مقتاله، ونسب إلى غيره أيضا.
    وإذا انتقلنا إلى التابعين نجد سيدهم وأفقههم سعيد بن المسيب كان لا يكاد يفتي، ولا يقول شيئا، إلا قال: اللهم سلمني، وسلم مني!
    وسئل القاسم بن محمد ـ أحد الفقهاء السبعة بالمدينة ـ عن شيء فقال: إني لا أحسنه، فقال له السائل: إني جئتك لا أعرف غيرك.
    فقال له القاسم: لا تنظر إلى طول لحيتي، وكثرة الناس حولي! والله لا أحسنه، فقال شيخ من قريش جالس إلى جنبه: يا ابن أخي الزمها، فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم. فقال القاسم: والله لأن يقطع لساني أحب إلي من أن أتكلم بما لا علم لي به.

    وسئل الشعبي عن مسألة، فقال: لا أدري، قيل له: ألا تستحي من قول "لا أدري" وأنت فقيه العراق؟ فقال: لكن الملائكة لم تستح حين قالوا: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
    وبعد التابعين نجد أئمة المذاهب المتبوعة لا يستنكفون من قول "لا أدري" فيما لا يحسنونه.
    وقد حفظ عن أبي حنيفة ـ مع براعته في الجواب، وقدرته الفائقة على الاستنباط والتوليد، مسائل معروفة قال فيها: لا أدري.

    روى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة يقول: لولا الفرق "الخوف" من الله أن يضيع العلم ما أفتيت أحدا. يكون له المهنأ، وعلى الوزر!
    وقال أيضا: من تكلم في شيء من العلم وتقلده وهو يظن أن الله لا يسأله عنه: كيف أفتيت في دين الله؟ فقد سهلت عليه نفسه ودينه.
    وكان أشدهم في ذلك مالك رحمه الله، فكان يقول: من سئل عن مسألة، فينبغي له قبل أن يجيب فيها أن يعرض نفسه على الجنة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب فيها.
    وقال ابن القاسم: سمعت مالكا يقول: إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة، فما اتفق لي فيها رأي إلى الآن.
    وسمعه ابن مهدي يقول: ربما وردت علي المسألة، فأسهر فيها عامة ليلي.

    وقال مصعب: وجهني أبي بمسألة ـ ومعي صاحبها ـ إلى مالك يقصها عليه، فقال: ما أحسن فيها جوابا، سلوا أهل العلم.
    وقال ابن أبي حسان: سئل مالك عن اثنتين وعشرين مسألة، فما أجاب إلا في اثنتين بعد أن أكثر من "لا حول ولا قوة إلا بالله".
    وكان الرجل يسأله عن المسألة، فيقول: العلم أوسع من هذا وقال بعضهم: إذا قلت أنت يا أبا عبدالله: لا أدري فمن يدري؟ قال: ويحك! ما عرفتني! وما أنا؟ وأي شيء منزلتي حتى أدري ما لا تدرون؟! ثم أخذ يحتج بحديث ابن عمر يقول: لا أدري، فمن أنا؟! وإنما أهلك الناس العجب وطلب الرئاسة. وهذا يضمحل عن قليل.
    وقال مرة أخرى: قد ابتلى عمر بن الخطاب بهذه الأشياء، فلم يجب فيها، وقال ابن الزبير: لا أدري، وابن عمر: لا أدري!
    وقال مصعب: سئل مالك عن مسألة، فقال لا أدري. فقال له السائل: إنها مسألة خفيفة سهلة، وإنما أردت أن أعلم بها الأمير، وكان السائل ذا قدر، فغضب مالك وقال: مسألة خفيفة سهلة! ليس في العلم شيء خفيف. أما سمعت قول الله تعالى (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) فالعلم كله ثقيل، وبخاصة ما يسأل.
    قال بعضهم: ما سمعت قط أكثر قولا من مالك "لا حول ولا قوة إلا بالله" ولو شئنا أن ننصرف بألواحنا مملوءة بقوله لا أدري "إن نظن إلا ظنا، وما نحن بمستيقنين" لفعلنا.
    وقال أبو داود: سمعت أحمد "بن حنبل" وسئل عن مسألة فقال: دعنا من هذه المسائل المحدثة! وما أحصى ما سمعت أحمد، سئل عن كثير مما فيه الاختلاف من العلم، فيقول: لا أدري!
    وجاء رجل يسأله عن شيء فقال: لا أجيبك في شيء. ثم قال: قال عبدالله بن مسعود: إن كان من يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون.
    وهكذا كان أئمة الإسلام.

    والله أعلم

    لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
    وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ .


    رب توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين



صفحة 3 من 10 الأولىالأولى 12345 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لثقافة المسلم : مصطلح الحديث - سؤال وجواب
    بواسطة أحمد سعد الدين في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 391
    آخر مشاركة: 10-08-2010, 06:19 PM
  2. لثقافة المسلم : أحداث التاريخ الاسلامى
    بواسطة أحمد سعد الدين في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 31
    آخر مشاركة: 02-15-2010, 05:03 PM
  3. لثقافة المسلم : تاريخ التشريع الإسلامى
    بواسطة أحمد سعد الدين في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 83
    آخر مشاركة: 02-13-2010, 11:20 AM
  4. لثقافة المسلم : أسماء ومعانى
    بواسطة أحمد سعد الدين في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 162
    آخر مشاركة: 02-12-2010, 11:43 AM
  5. لثقافة المسلم : القضاء والقدر - سؤال وجواب أهل العلم
    بواسطة أحمد سعد الدين في المنتدى منتدى المواضيع العامة
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 02-11-2010, 08:15 PM

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •