الدكتور مهاتير محمد ... نموذج للقائد المسلم .. فهل نستفيد من تجربته؟



مهاتير محمد له شخصية متعددة المواهب فهو قائد متبصر عظيم وسياسي محنك ومخطط استراتيجي ومفكر كبير وصاحب رؤية استشرافية ومع ذلك إنسان بسيط . إنه ببساطة مدرسة نموذجية متكاملة البنيان.. والحديث عنه يتشعب ويتسع وفي هذه الفقرات سنسلط الضوء على بعض جوانب التميز في شخصية الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا الأسبق وأبرز قادتها في التاريخ المعاصر وأكثر قادة الدول الإسلامية تميزا في عصرنا الحاضر أو لنقل إنه أحد صناع المجد وكتاب التاريخ.
المولد والنشأة والتعليم
ولد مهاتير محمد في ديسمبر عام 1925م بولاية كيداه بماليزيا، وتلقى دراسته بكلية السلطان عبد الحميد، ثم درس الطب بكلية " المالاي " بسنغافورة التي كانت تعرف بكلية الملك إدوارد السابع الطبية، كما درس الشؤون الدولية بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1967م.
وخلال الحرب العالمية الثانية، كان مهاتير يبيع فطائر الموز وبعض الأطعمة الأخرى ليدعم دخل أسرته خلال الاحتلال الياباني للملايو.
بدأ نشاطه السياسي بالانضمام لاتحاد ملايو في منتصف عام1946، وكان يعلق ملصقات مناهضة لبريطانيا في الليل.
حياته العملية
عمل مهاتير محمد بعد تخرجه طبيبا في عيادته الخاصة وكان يعالج فيها الفقراء مجاناً، كما عمل كضابط طبيب بسلاح الخدمات الطبية. انتمى لتنظيم اتحاد الملايو حيث تدرج فيه من عضو المجلس الأعلى لتنظيم اتحاد الملايو الوطني، ثم نائب رئيس له، قبل أن يصبح رئيسا للحزب عام 1981م، كما شغل عدة مناصب سياسية وحكومية رفيعة منها: مندوب ماليزيا بالأمم المتحدة 1963، عضو برلمان منتخب عن منطقة كوتا سيتار، عضو مجلس الشيوخ، عضو برلمان منتخب عن منطقة كوبانج باسو، رئيس مجلس التعليم العالي الأول ورئيس مجلس الجامعة الوطنية في السبعينات، ثم وزيراً للتربية والتعليم من عام 1974 حتى 1981، نائب رئيس الوزراء ووزير التجارة والصناعة، رئيس الوزراء ووزير الشؤون الداخلية 1981 حتى عام 2003م .
بداية تصحيح الصورة
تألم مهاتير محمد لحال المالاويين الذين يشكلون أغلبية سكان ماليزيا فألف كتاب " معضلة الملايو" عام 1970م، وهو الكتاب الذي أثار ضجة ,انتقد فيه الشعب المالاوي واتهمه بالكسل ودعا فيه الشعب لثورة صناعية تنقل ماليزيا من إطار الدول الزراعية المتخلفة إلى دولة ذات نهضة اقتصادية عالية . منعت منظمة المالايو القومية المتحدة توزيع الكتاب نظرا للآراء العنيفة التي تضمنها وأصبح مهاتير محمد في نظر قادة الحزب مجرد شاب متمرد لابد أن تحظر مؤلفاته, لكن مهاتير استطاع أن يتجاوز هذه المشكلة وبدأ يظهر كشخصية سياسية لها فكر مختلف حتى وصل لرئاسة الوزراء عام 1981م. وأتيحت له الفرصة كاملة ليحول أفكاره إلى واقع، بحيث أصبحت ماليزيا احد انجح الاقتصاديات في جنوب آسيا والعالم الإسلامي.
انجازات مهاتير محمد : منهج تنموي شامل

تبنى مهاتير محمد المنهج التنموي ودفع بالمالايا نحو النهضة التنموية من خلال توفير مستويات عالية من التعليم الذي يتحول اليوم إلى نظام المدارس الذكية ، كما دفع بهم لتعلم اللغة الإنجليزية، وأرسل البعثات التعليمية للخارج وتواصل مع الجامعات الأجنبية،وهي تتحول اليوم إلى المدارس الذكية, حاول بكل جهده في إطار سياسته الاقتصادية تجهيز المواطن الماليزي بكافة الوسائل العلمية والتكنولوجية لكي يستطيع الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي والتعرف على الثقافات المختلفة، ثم بعد ذلك الدفع به إلى سوق العمل من أجل زيادة الإنتاج وخفض مستوى البطالة بين أفراد الشعب، حيث كان يهدف لتفعيل الجزء الأكبر من المجتمع الأمر الذي يعود على ارتفاع مستوى التنمية الاقتصادية للبلاد في نهاية الأمر، واستطاع أن يحول ماليزيا من دولة زراعية يعتمد اقتصادها على تصدير السلع الزراعية والمواد الأولية البسيطة مثل المطاط والقصدير وغيرها إلى دولة صناعية متقدمة، حيث شارك القطاع الصناعي والخدمي في اقتصادها بنسبة 90 %، وأصبحت معظم السيارات التي توجد بها صناعة ماليزية خالصة، وزاد نصيب دخل الفرد زيادة ملحوظة فأصبحت واحدة من أنجح الدول الصناعية في جنوب شرق آسيا، كما أدى هذا التحول إلى تقوية المركز المالي للدولة ككل.
درس في التعايش والانسجام
يشرح مهاتير كيف تحلى الماليزيون المؤلفين من الملايو المسلمين والصينيين البوذيين والهنود الهندوس بالحكمة وبدل أن يتم فرض عرق وثقافة واحدة اتفقوا على العيش بجو من التسامح والتعايش، فقد قررت الغالبية المسلمة التي كانت تعيش في الريف مشاركة الصينيين والهنود الأمر الذي انعكس سريعاً على نموها الاقتصادي.
كيف تحققت هذه الانجازات؟
وجود رؤية للمستقبل
بدأ مهاتير من "اقرأ" أي تعلم؛ تلك أول آية في القرآن الكريم نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سر نجاح ماليزيا؛ فأخذ هذه الآية القرآنية شعارًا له لبدء عملية الإصلاح. وجد مهاتير محمد أن القصور الذي تعاني منه الدولة لا يرجع فقط إلى طبيعة هذا الشعب الماليزي؛ بل إلى الحاجة لتطوير عملية التعليم واكتساب اللغة الإنجليزية لإمكانية مواكبة التطور العالمي والتفاعل مع العالم الآخر.
إن ما تحقق كان نتيجة مجموعة من السياسات التي جعلت ماليزيا تتمتع بأحد أفضل بيئات الاستثمار في جنوب شرق آسيا حسب دراسات البنك الدولي. والاهم من ذلك هو أن الحكومة الماليزية كان لديها دائما تصور أو رؤية للمستقبل. وابرز مثال على ذلك خطة 2020 التي يعتبر مهاتير مهندسها، والتي تقوم على فكرة أن تصبح ماليزيا بحلول هذا التاريخ دولة صناعية مكتملة البنيان ، وهو هدف يبدو شديد الطموح، لكن نجاح ماليزيا في النمو بنسبة 6.7% في الفترة من 1971 إلى 1990، ثم بنسبة 7.1% في الفترة من 1991 إلى 2000 يجعلها قادرة على تحقيق هذا الهدف إذا كررت نفس السيناريو.

رؤية وتشخيص لأحوال الأمة الإسلامية
أجاب الدكتور مهاتير في كتاب يضم محاضراته القيمة عن سبب تخلف الأمة الإسلامية ، وطرح بشكل صريح التساؤل التالي: هل تعارض قيم الدين الإسلامي التحديث والتطور؟. يجيب مهاتير على الفور ب "لا" كبيرة، ولأكثر من نموذج مثل ماليزيا تكشف غلط مثل هذا الرؤية. يبرع مهاتير في شرح تاريخي كيف برع المسلمون في الحضارة الإسلامية والأندلس بصنع نماذج حضارية أبهرت العالم، واعتمد ذلك بشكل رئيسي على الانفتاح على العلم والمعرفة، حيث لم تزدهر إلا "نتيجة لطلب المعرفة واكتسابها بجميع أنواعها، سواء فروع المعرفة الدينية أو غيرها من الفروع". ويقول أيضا مؤكداً على الأهمية القصوى للمعرفة والعلم في هذا العصر: "لطالما اعتقدت أن المعرفة تحدد مستوى الحضارة الذي يصل إليه أي مجتمع إنساني. واليوم أصبحت المعرفة أكثر أهمية من أي وقت مضى". ولكن بمجرد أن تم التخلي عن هذا العنصر ضمرت الحضارة الإسلامية وتهاوت في النهاية. يقول مهاتير إن المعرفة لا تتعارض مع الدين الإسلامي، بل على العكس يدعو إليها، ويشرح موقفه من التصادم المزعوم بين الدين والعلم حيث يقول: "دراستي للدين والعلم أقنعتني بأن الاثنين متوافقان، وأن العلم هو في حقيقة الأمر يشمل ويقوي الإيمان، لأنه يظهر أن قدرة الله هي أكثر مما نقاد لنعتقد فيه. لا يمكن للعلم أن يحتل مقعد الإيمان، لأن إنجاز العلم محدود بإرادة الله. ولا يمكن للعلم أن يجيب عن التساؤل. لماذا؟!".
وكعادته الدائمة في المصارحة وشجاعة الطرح يقف مهاتير قبل ولوج القرن الواحد والعشرين قائلاً:"إن الأمة الإسلامية مازالت تعيش في سبات عميق وينبغي أن نعترف لأنفسنا قبل غيرنا بأن المجتمعات الأخرى قد سبقتنا ببضعة قرون، ومن ثم فإن المسلمين مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يدركوا حقيقة الوضع الذي هم فيه في ضوء ما استحدثته المجتمعات البشرية المتطورة من أفكار تجديدية، وتقنيات حديثة ما زالت الأمة غير مهيأة لاستيعابها وعاجزة تماما عن التعامل معها". لكنه مع هذه الحدة في الانتقاد يتطلع إلى المستقبل بتفاؤل:
"نحن فقدنا الكثير من مقدراتنا، لكننا لم نفقد كل شيء، حيث مازلنا نملك الأصول والموجودات، ومقومات القوة الحقيقية، ونحن بحاجة في الوقت الحالي إلى رصد تلك الإمكانيات، والمقومات، ومن ثم الجلوس مع بعض للعمل سويا على بلورة الخطط والبرامج التي تمكن من تفعيل استخدامها بأقصى طاقتها للارتقاء بالمردود، ومما لا شك فيه أن العالم الإسلامي زاخر بالمهارات العالية والعقول النادرة التي هاجرت إلى الغرب، ونحن مطالبون بتوفير البيئة الملائمة التي تغري علماءنا بالعودة إلى بلدانهم بما يمكننا من الاستفادة من إمكاناتهم في إعادة بناء أمتنا واللحاق بركب الدول المتقدمة".
هموم الأمة
لئن كان مهاتير محمد شخص حال الأمة وانتقد ما آلت إليه أوضاعها فقد فعل ذلك غيرة منه على أمة الإسلام وأهله .فهو من المناصرين للقضية الفلسطينية، وأسس علاقات دبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينية. (وما زال هناك حظر على المواطنين الإسرائيليين من دخول ماليزيا وعلى المواطنين الماليزيين من دخول إسرائيل بدون تصريح خاص من الحكومة). وفي عام 1986، وقعت أزمة دبلوماسية كبيرة مع سنغافورة عندما زار رئيس إسرائيل آنذاك سنغافورة. وقد مزجت علاقة مهاتير والغرب بين الحب والكراهية، فقد وصف الغربيين، ولاسيما «الأوروبيين الأنغلوسكسون» بأنهم مؤيدو الحرب والإبادة الجماعية.
كما انه كان صريحا في تسمية الأشياء بأسمائها عندما تحدث عن اليهود وسيطرتهم على العالم وتآلب عليه الغرب وطلبوا منه الاعتذار لكنه لم يفعل..
رسالة إلى الرئيس أوباما : قوة في الحق .. وشجاعة نادرة
وجه مهاتير محمد رسالة قوية إلى براك أوباما في سياق دفاعه عن العدل ووقوفه ضد الظلم والظالمين هذا نصها:
رسالة مفتوحة إلى باراك حسين أوباما _ الرئيس المنتخب في الولايات المتحدة الأمريكية 1 يناير 2009
عزيزي السيد الرئيس "أنا لم أصوت لك في الانتخابات الرئاسية لأني ماليزي . لكني أعتبر نفسي واحدا من رعاياك لأن ما تفعله أو تقوله سيؤثر عليّ وعلي بلدي أيضا . أنا أرحب بوعدك بالتغيير . بالتأكيد بلدكم الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى الكثير من التغييرات . وهذا بسبب أن أمريكا والأمريكان أصبحوا من أبغض الشعوب في العالم . وحتى الأوربيون يكرهون غروركم، مع ذلك تم قبولك والإعجاب بك لأنك تمانع في غزو وإخضاع العديد من الدول . إنه تقليد أن يقوم الناس في اليوم الأول من العام باتخاذ القرارات ". ولكن اسمح لي أن اقترح بأدب أنك مطالب أيضا بالقيام بالتالي لتحقيق التغيير :
أولا : توقفوا عن قتل الشعوب . الولايات المتحدة ومن أجل تحقيق أهدافها مولعة جدا بقتل الشعوب . أنتم تسمونها حربا , لكن حروبكم اليوم ليست بين جيوش مدربة تقاتل وتقتل بعضها , لكنها قتل للشعوب المدنية البريئة وبمئات الآلاف . بلدان بأكملها سيتم تدميرها .
الحرب أصلا , هي طريقة رجال الكهوف للتعامل مع مشكلة . ولهذا أوقف تسليح جيوشكم والتخطيط لحروب مستقبلية .
ثانيا : أوقف الدعم العشوائي للقتلة الإسرائيليين بأموالكم وأسلحتكم . فالطائرات والقنابل التي تقتل الناس في غزة هي منكم .
ثالثا : أوقف فرض العقوبات ضد الدول , في حين هي لا تقدر أن تفعل المثل ضد بلدكم .
عقوباتكم على العراق قتلت نصف مليون طفل بحرمانهم من الغذاء والدواء أو بولادتهم مشوهين .
ماذا حققتم من خلال هذه القسوة ؟ لاشيء غير كراهية الضحايا , وأصحاب التفكير السليم لكم .
رابعا: أوقف علماءكم وباحثيكم من اختراع أسلحة جديدة أكثر شيطانية لقتل المزيد من البشر بكفاءة أكبر .

خامسا: أوقف صناعييكم الحربيين عن تصنيع هذه الأسلحة وبيعها لجيوش العالم , فالمال الذي تربحونه منها ملوث بالدم , وهذا ضد تعاليم المسيحية .
سادسا: توقفوا عن نشر الديمقراطية إلى جميع أقطار العالم . الديمقراطية ربما تصلح للولايات المتحدة , لكنها ليست صالحة دائما مع جميع الشعوب . ولا تقتلوا الناس لأنهم غير ديمقراطيين , فحملتكم الصليبية لنشر الديمقراطية بين الشعوب قتلت منهم ما لم تفعله حكوماتهم الاستبدادية التي أطحتم بها . ورغم هذا فأنتم لم تنجحوا في نشر الديمقراطية .
سابعا: أوقف الكازينوهات التي تسمونها ( مؤسسات مالية ) وتوقفوا عن فتح صناديق الاحتياط ومشتقاتها وتداول العملات . وأوقفوا البنوك عن إقراض المليارات من العملة التي لا غطاء لها . ونظموا وأشرفوا على البنوك واسجنوا الأوغاد الذين يجنون الأرباح من إستغلال النظام المصرفي .
ثامنا: وقع على بروتوكول كيوتو وبقية الاتفاقيات الدولية .
تاسعا: أظهر الإحترام للأمم المتحدة .
عندي العديد من الاقتراحات الأخرى التي أظن أن عليك النظر بها , لكني أعتقد أنك وضعت ما فيه الكفاية في سجلك لهذا العام 2009 بالتقويم المسيحي .
لو تمكنت من فعل القليل مما إقترحته عليك , فسيتذكرك العالم كقائد عظيم . عندها ستعود الولايات المتحدة من جديد الأمة التي تحظى بأكبر الإعجاب في العالم , كما تتمكن سفاراتكم من خفض أسيجتها والأسلاك الشائكة المكهربة المحيطة بها .
اسمح لي أن أتمنى لكم سنة جديدة سعيدة ورئاسة عظيمة .
مهاتير محمد في عيون العرب
اهتم بعض الباحثين والمفكرين العرب بشخصية الدكتور مهاتير محمد وألفوا كتبا وكتبوا مقالات وأعدوا تقارير عن قيادته وفكره وانجازاته ومستوى التقدم الحضاري الذي تعيشه ماليزيا..
" مهاتير ..عاقل في زمن الجنون "
من أهم الكتب العربية التي كتبت عن مهاتير وتجربته كتاب " مهاتير ..عاقل في زم الجنون " للكاتب والصحفي الفلسطيني الدكتور عبد الرحيم عبد الواحد , وهو أول كتاب باللغة العربية عن مهاتير محمد ,وعرض في معارض الكتب في الإمارت العربية المتحدة سنة 2007م ووجد إقبالا كبيرا من الجمهور.
يقع الكتاب الذي صدر قبل أيام، في 480 صفحة من القطع المتوسط، وأصدرته "ميديا هب" للنشر ومقرها دبي.وينقسم إلى 10 أبواب و42 فصلا، تناولت كافة مفردات التجربة الماليزية الغنية بتجارب مثالية نادرة الحدوث في عالم اليوم، بما يمكن معه القول بأنها تجربة فريدة تستحق الدراسة والبحث والاقتداء بها من خلال الاستفادة منها بما يتناسب مع إمكانياتنا الاقتصادية وقدراتنا الفنية الشخصية المتواضعة قياسا بما تمتلكه ماليزيا بعد نجاح تجربتها الرائدة. يقول الكاتب في مقدمة الكتاب معبرا عن إعجابه بالدكتور مهاتير:
"بهامته الشامخة كما هي ماليزيا، وبساطته وتواضعه، يسطر الدكتور مهاتير أروع الأمثلة الإنسانية التي جاءت وليدة قناعاته ونظرياته وفلسفته الحياتية، حيث قاد بلاده إلى النهضة والتطور ومن ثم إلى بر الأمان بعد مشوار طويل من التضحيات، فيما سطرت أفكاره ومواقفه سجلاً حافلاً من النظريات التي يستحق عليها التكريم بأنبل الشهادات تقديراً لوفائه لوطنه وشعبه وأمته الإسلامية، كما دوّن برؤيته الثاقبة وحكمته الراسخة، سياسة ماليزيا وحدد أهدافها التي حققت الرخاء والتنمية بعد أزمات ومؤامرات كادت تعصف بإنجازات الشعب الماليزي، كما تحولت في عهده الأحلام إلى حقائق على أرض الواقع بعد أن حمل الأمانة التاريخية، مستعيناً بالمصداقية التي تحكم مشاعره وتحدد سلوكه. ..."
ويوضح المؤلف أهم محتويات الكتاب قائلا: "يكشف الكتاب ملامح التجربة المهاتيرية على كافة الصعد، ويرسم صورة ناصعة لهذه التجربة باعتبارها منهاجا ونبراسا يمكن الاستفادة منها بما يتناسب مع الظروف والأوضاع الخاصة التي تعيشها الدول المختلفة. كما يبين مواقف مهاتير من اليهود والسامية وسيناريوهات الجماعات الصهيونية للنيل من تأثيره وقوته داخل وخارج بلاده، كما يبين أسباب ووسائل الزعيم الماليزي في النهوض ببلاده منذ عام 1981 وحتى استقالته عام 2003 من خلال التعرض للعديد من المحاور الهامة منها الخصخصة والتنمية، رؤيته لماليزيا عام 2020 وكيفية التغلب على الأزمة المالية التي ضربت جنوب شرق آسيا عام 1979. وفي باب آخر يستعرض الكتاب للقيم الإسلامية وأسباب تفعيلها ومدى جدية ما يسمى بالحرب على الإرهاب وموقف الإسلام من ذلك، كما يتضمن الكتاب النظريات الاقتصادية التي أرساها لتعزيز اقتصاديات ماليزيا. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تحتوي صفحات الكتاب على رؤى مهاتير من القضايا السياسية الهامة مثل فلسطين والعرق وأفغانستان وكذلك ملامح التعاون الاقتصادي بين بلاده واهم الدول العربية وكيفية تعزيزها".
أما الكتاب الثاني فهو : "مهاتير محمد … النمر الآسيوي من شاب متمرد إلى بطل إسلامي".لمؤلفه عادل الجوجرى. صدر الكتاب عن دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع, 2008م ويقع في 311 صفحة.
يحلل الكتاب بطريقة علمية المعجزة الماليزية بقراءة هادئة من خلال رصد القواعد التي بنى عليها مهاتير محمد مشروعه التنموي في الماضي والمستقبل ويعقد مقارنات بين ما تم في ماليزيا وما فشل العرب في تحقيقه فالكتاب موجه للقارئ العربي ليستفيد من التجربة المهاتيرية الماليزية. و يتكون الكتاب من 16 فصلا.
” مهاتير محمد نموذج يفتخر به كل عربي وكل مسلم، له إنجازات لا تخطئها العين، وعنده ملاحظات يستفيد منها من يريد أن يقرأ التجربة وهو منزه عن الغرض، والباحث سيجد أمامه شابا متمردا على السياسة والطائفية سيتحول إلى بطل قومي ليس على طريقة أفلام (روكي) الأمريكية وإنما من خلال رحلة كفاح قوامها الصبر واستيعاب تراث الأمة والتحليق في آفاق العلم والانحياز الدائم إلى الفقراء وهم ملح الأرض وعطرها".
أما الدكتور محمد السيد سليم فيعبر عن انطباعه عن جوانب التألق في شخصية مهاتير محمد في السطور التالية:
"لم يعد هناك خلاف في الفكر العربي حول أن مهاتير محمد هو أحد عظماء آسيا في القرن العشرين بالنظر إلى ما حققته تجربته التنموية في ماليزيا خلال ربع القرن الأخير، وقد كان مشهد خروجه من السلطة بإرادته رغم أنه كان زعيم حزب الأغلبية في البرلمان الماليزي، هو أحد المشاهد التي صدمت المثقفين العرب. فقد خرج الرجل من السلطة برغبته وبكل وقار واحترام، وأصبح مهاتير محمد اليوم الحكيم الذي يرجع إليه قادة بلاده ويستنير بآرائه كثير من قادة الرأي في آسيا وأفريقيا. "ويضيف الدكتور محمد سليم : بيت مهاتير بلا ماء ولا كهرباء
“.... هناك تكمن عظمة الرجل، فهو لم يستفد من السلطة رغم جذوره الفقيرة، بل بالغة الفقر، وقد زرت البيت الذي ولد فيه في آلوستار والذي يفتقد كل مقومات الحياة المدنية الحديثة بما في ذلك الماء والكهرباء.
ويذكر انه حضر مؤتمرا نظم حول فكر مهاتير محمد، تحدث فيه مهاتير مرتجلا، و كان مهاتير محمد مرتب الأفكار، حاضر الذهن رغم أنه قد وصل إلى سن الثمانين، ولم أكن أعلم أنه في هذا اليوم بالذات قد أكمل عامه الثمانين.
وفي نهاية كلمته عبر عن أسفه لعدم التمكن من الاستمرار في الحفل إذ انه على موعد للسفر إلى اليابان في الصباح الباكر لإلقاء محاضرة في أحد المنتديات اليابانية. هكذا يكون الزعيم السياسي وإلا فلا."

رجل عظيم ... فهل نستفيد من فكره وخبرته منهجه؟
مقال طويل ... نعم.. لكن أعمال الدكتور مهاتير محمد وفكره وعلمه ورؤيته الإسلامية ونجاحاته المتميزة على كل صعيد وتحديدا في تمكنه من الإقلاع بماليزيا في رحلة النهضة الشاملة مغادرة "حظيرة" الدول النامية – النائمة- كل ذلك يستحق الكثير مما يكتب عنه...
فهنئا له عندما جعل نصب أعينه هدف بناء بلده وفق رؤية تجمع بين الأصالة الإسلامية والحداثة بمعناها الايجابي ..

السراج الاخباري ـ ليبيا