هل وقعت «الإيرفرانس447» ضحية للقرصنة المعلوماتية؟
أنظمة الطائرات الحديثة في خطر
بعد توقف البحث عن الصندوق الأسود لطائرة ايرباص 330 التابعة لشركة ايرفرانس الفرنسية، التي سقطت في المحيط الأطلسي منذ شهور عدة، وسط غموض مثير عن سبب سقوطها وتناثر أجزائها في المحيط؛ لا تزال الجهود تبذل لمعرفة الأسباب الحقيقية التي وراء هذه الحادثة الرهيبة، التي راح ضحيتها جميع من كانوا عليها من ركاب وطاقم؛ فحتى هذه اللحظة لا يوجد لدى المختصين بالحادث سوى افتراضات واحتمالات، وفي هذا المضمار ورد افتراض مثير بأن تكون الطائرة المنكوبة قد تعرضت إلى قرصنة معلوماتية، من قبل «هاكرز» متمرسين تمكنوا من إرسال إشارات رقمية إلى أنظمة الطائرة للسيطرة على الطائرة، أدت فيما بعد إلى اختلال أنظمتها تلك، وتحطمت في مياه المحيط؛ وهذا ما يعرف بالقرصنة المعلوماتية الذي سنبين مدى خطورته على الملاحة الجوية خصوصا مع اعتماد الطائرات الحديثة على التقنية الرقمية بشكل مكثف.
تعتبر ميزة التكنولوجيا المعلوماتية الآنية التي زودت بها الطائرات الحديثة ومن ضمنها طائرات ايرباص 330 و340 و380 بما يعرف «e-Enabling » من المميزات المتطورة في الوقت الحالي؛ وهي خاصية تمكن الطائرة عبر شبكة معلوماتية متطورة من البقاء على تواصل تام ولحظي بمركز العمليات التابع لشركتها العاملة بها، بحيث تقوم بإرسال تقارير متنوعة عن أداء الطائرة وهي بالجو وأداء أنظمتها الالكترونية، الأمر الذي يسمح بإعطاء فنيي الصيانة بالمركز وغيرهم صورة واضحة عن سير أداء أنظمة الطائرة وتحديد الأعطال التي قد تطرأ عليها وهي في الجو قبل أن تهبط ، وبالتالي توفر الجهد والوقت على الطاقم والشركة ككل. هذه الميزة لاقت استحساناً كبيراً لدى شركات الطيران، لكنها اخيراً كشفت عن ثغرة أمنية رهيبة؛ وهي إمكان التسلل إلى تلك الشبكة واختراقها بواسطة قراصنة المعلومات أو «الهاكرز - ******* » ومن ثم التحكم بالطائرة، وإرسال إما فيروس أو أوامر بالامتثال له وتكرار سيناريو شبيه بالحادي عشر من سبتمبر، من دون وجود أي قرصان (إرهابي) على متن الطائرة.
البعد الخامس
مع الاعتماد الشديد والرهيب على الإلكترونيات في تسيير والاتصال والتحكم في جميع الأسلحة والمعدات ، ظهر بعد خامس هو «الفضاء السايبري أو الافتراضي»، وهو ما بات يعرف بحرب المعلومات «INFO WARFARE» التي تجاوز أبعادها، الأبعاد الأربعة الأخرى بل واحتوتها من خلال اعتمادها على معطياتها. هذا البعد هو الذي يتحكم بالكمبيوترات وأنظمة الاتصال والإدارة والتشفير والإنترنت وغيرها من الإلكترونات. ومنذ أقل من نصف عقد من الزمن طورت شركة BAe البريطانية والتخصصة بالأنظمة الدفاعية والطيران لمصلحة سلاح الجو الأميركي ، جهاز حرب إلكترونية معلوماتية أطلق عليه اسم «سوتر / Suter» وهي كلمة هجين من كلمة تعني «خط الاتصال»، ويعمل هذا الجهاز المحمول جواً كسلاح خارق للأنظمة المعلوماتية للعدو ، وتم تجربته بصورة محدودة في أفغانستان والعراق من قبل سلاح الجو الأميركي أول مرة، حيث استخدم لاختراق شبكات الاتصال التابعة للجماعات الإرهابية. والجهاز المذكور يمكنه الولوج إلى أعتى شبكات الاتصال والتحكم والقيادة للعدو، والتصنت عليه ومشاهدة الصورة نفسها التي يشاهدها العدو بنفس الوقت على شاشات الرادار الخاصة به، ومن ثم إرسال سيل من الإشارات المعلوماتية للاستحواذ عليه من دون أن يشعر العدو بذلك ، والتحكم به عن بعد وإرسال أوامر اليه لتضليله وإعطائه أوامر مباشرة لحجب طائراته عن العدو والتلاعب بمعطياته، وهذا ما كشفته الغارة الإسرائيلية على سوريا منذ مدة قليلة حيث استخدمت ذلك الجهاز في الولوج لأنظمة الرادار السورية، وتمكنت من حجب طائراتها المغيرة على المركز المراد قصفه من دون أن تعي القيادة العسكرية السورية ذلك، حيث يعمل جهاز «سوتر» المصنف كأداة للقرصنة الكمبيوترية (الهاكر) ، وأيضاً كسلاح للطاقة ، فهو يعتمد على بث موجات المايكروويف العالية الطاقة، يشار إلى أن هذه الأجهزة قد باتت متطورة، الى درجة أنها يمكن أن تقوم بتعطيل صواعق المتفجرات والعبوات الناسفة التي قد يستخدمها الإرهابيون ، كما هناك أنباء تشير إلى أن الجيل الثالث من اسلحة الطاقة ستقوم ليس فقط باستخدام أجهزة العدو لمصلحتها وتعطيلها وحسب، بل وحتى في توجيه أسلحته الموجهة كالصواريخ البالستية أرض – أرض مثل سكود وغيرها من الأسلحة ضده، من خلال إعطائها أوامر معاكسة فتقوم بجعل أسلحة العدو تنحرف وترتد عليه فور إطلاقها.
الأمان المعلوماتي مطلوب
أكدت الهيئة الفدرالية للطيران بالولايات المتحدة اخيرا أن امكانية اختراق شبكة الطائرة المعلوماتية أمر ممكن، مما دفعها الى اجراء دراسة بالتعاون مع بوينغ والشركة المصنعة لأنظمة الشبكة المعلوماتية لطائرة 787 – دريملاينر التي ستكون على تواصل آن ومستمر مع مركز الصيانة على الأرض، للتأكد من أنه لا يمكن اختراق تلك الشبكة المعلوماتية التي تبقي الطائرة على اتصال دائم بالأرض بواسطة الأقمار الصناعية. ففي بيان أصدرته الهيئة ذكرت فيه أن شركة بوينغ ستخضع لشروط خاصة ومحددة عند تصنيع طائراتها من فئة 787 - دريملاينر. وتتطلب الشروط الجديدة من بوينغ فصلاً كلياً ما بين أنظمة الانترنت المستخدمة من قبل الأشخاص (سواء داخل أم خارج الطائرة ) وبين الأنظمة الالكترونية للشبكة المعلوماتية داخل الطائرة، حتى لا يتم اختراقها. من جهتها، أخذت بوينغ بعين الاعتبار جميع تلك النقاط، ولاحظت وجوب ادخال شيفرات خاصة تبدل معطيات نظم الطيران على نحو آلي بحيث لا يمكن مسح هذه الشيفرات من الأرض، مع وجوب استعمال مفتاح للتعريف (شيفرة توثيق / authentication code) قبل ادخال أي برنامج جديد كلما تكون هناك حاجة لتجديد البرامج. وستعتمد بوينغ ما تصفه «بالجدار الصلب / Hard Wall» لضمان تحصين نظم وبرمجيات الطائرة 787 - دريملاينر ضد محاولات قد تجري لتعديلها أثناء الرحلة الجوية والسيطرة عليها من قبل مجهول.
تحديات الأمن المعلوماتي بالطيران
هناك عقبات عدة وتحديات تواجه اعتماد نظام أمني معلوماتي «مشفر» بالطائرات، فصحيح ان هذا النظام او الاجراء معتمد في البنوك عبر التحويل الالكتروني للاموال والأرصدة، لكنه يعتبر شيئا جديدا في عالم الطيران، فعملية تشفير المعطيات تتطلب دقة وجهدا برمجيا كبيرا، كي يتناسب مع الملاحة الجوية، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالتكلفة، فشركات الطيران لا تحبذ ان تتحمل مزيداً من التكاليف في الوقت الحالي، الذي يشهد فترة اقتصادية عصيبة للنقل الجوي وارتفاع تكاليف وقود الطائرات والتأمين، ولهذا فإن عبئا كبيرا يقع على الشركة الصانعة للطائرة التي تعتمد نظام الربط المعلوماتي المستمر بمركز العمليات الأرضي. فيما يؤكد المختصون في أنظمة الأمن الالكتروني أن أنظمة الكمبيوتر المتوافرة للركاب يجب أن يتم فصلها بشكل كامل عن أنظمة العمليات في الطائرة، فليس هناك من ضرر اذا ما اشترك النظامان في مصادر الكهرباء أو غيرها، ولكن ينبغي ألا يتشاطرا الكترونياً، بحيث لا يتم اختراق شبكة عن طريق أخرى. كما أن علم تحصين الأمن المعلوماتي للطائرات مرشح لأن يتطور ويتعزز في القريب العاجل، خصوصاً مع تزايد ارتباط الطائرات بشبكات الانترنت والاتصالات الهاتفية الخليوية وهو ما سوف ينعكس ايجابياً ، على حسب زعمهم على تعزيز الأمن المعلوماتي الخاص بالمستعملين العاديين للكمبيوترات الشخصية. القبس
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)