بقلم : فهد عامر الأحمدي - صحيفة : الرياض ( السعودية ) - العدد : 14962

أذكر أنني أجريت مسابقة بين مجموعة من طلاب الثانوي تتضمن شرب زجاجة بيبسي في أسرع وقت ممكن .. وأذكر جيدا أن "الفائز" شربها خلال ست ثوان في حين انهاها معظمهم خلال عشر ثوان .. وبعد تسليم الجائزة ( 50 ريالا) صدمتهم بهذه المعلومة :

شربتموها خلال عشر ثوان في حين ستبقى "القارورة الفارغة" لعشرة ملايين عام (وهو عمر يتجاوز الرقم المقدر لبقاء الجنس البشري على كوكب الأرض) !؟

فالزجاج مثل البلاستيك والبرونز والمواد المصنعة لا يتحلل في التربة ويبقى على حاله لملايين السنين .. وتصرف كهذا نموذج على تدمير بيئتنا وشراء حاضرنا (القصير) بمستقبلنا الطويل ؛ فالجنس البشري هو الوحيد بين كافة المخلوقات القادر على تدمر بيئته وإحداث تغيير جذري فيها .. فمدن عالمية صاخبة كنيويورك وجاكرتا وطوكيو كانت قبل استيطان البشر مجرد غابات كثيفة تعج بالزواحف والطيور وأوكار النحل .. وبمجرد وصول البشر أزيلت الغابات وسويت الأرض وأقيمت المباني وغطيت الشوارع بالاسمنت والإسفلت (بحيث عجزت التربة عن التنفس والإنبات من جديد) ..

ومن وجهة نظر بيئية تحولت المدن العملاقة الى (منطقة ميتة) تعجز عن إطعام نفسها وتعتمد على استيراد الماء والطعام من مسافات بعيدة عنها .. كما تحولت إلى مصنع عملاق لانتاج النفايات غير المتحللة والسموم الكيميائية المصنعة لدرجة لم تعد الزواحف والطيور والنحل ترضى بالعيش فيها.

وفي المقابل لا يحدث هذا مع بقية المخلوقات التي تعيش متوائمة مع بيئتها بحيث لا تدمرها ولا تطغى عليها بل على العكس تتحلل أجسادها ونفاياتها العضوية في الأرض وتتحول إلى سماد يغذي النبات ويخصب التربة !!

وكنت في بداية هذا العام قد قرأت كتابا بهذا الشأن يدعى (العالم بدوننا) للخبير في شئون البيئة آلن ويزمان . وهو كتاب يعتمد على فرضية الاختفاء المفاجئ للجنس البشري وما سيحدث لكوكب الأرض بعد زوال البشر .. وهذا الكتاب ( The World Without Us ) ليس متشائما بقدر شخصي المتواضع كونه يؤكد قدرة الأرض على استيعاب كافة المشاكل (في حال اختفى البشر في الوقت المناسب) ..

ففي حال اختفى البشر فجأة ( كما يفترض المؤلف Alan Weisman ) ستبدأ الأرض في استعادة طبيعتها البرية بالتدريج .. فبعد أيام قليلة من اختفاء سكان نيويورك (كمثال) ستتوقف مضخات المياه الجوفية وتبدأ أنفاق القطارات في الامتلاء بالمياه ! والأسماك . أما الشوارع فستبدأ بالتشقق وتظهر الأعشاب والنباتات بين تجاويفها الصغيرة .. وخلال عشرين عاما سينمو بعضها كأشجار تمزق طبقات الإسفلت تاركة مجالا أكبر لظهور المزيد من النباتات البرية .. وبسبب اختفاء البشر ستغزو الحيوانات البرية أرجاء المدينة وتبدأ بالتناسل والتكاثر من جديد .. وبسبب هطول الأمطار المتواصل وتوقف شبكة الصرف الصحي ستنتفخ التربة وتتزعزع الأساسات وتبدأ ناطحات السحاب بالسقوط خلال مائة عام .. وخلال الخمسمائة عام التالية ستكون نيويورك عادت الى طبيعتها البرية باستثناء قطع متناثرة ومطمورة من الزجاج والبلاستيك وإطارات السيارات وسبائك البرونز (التي تبقى على حالها لملايين السنين) !!

... وكما هو واضح ...

يعتمد هذا السيناريو على اختفاء البشر المفاجئ (في الوقت المناسب) قبل استنزاف موارد الأرض بشكل كامل .. وهذه الفرضية ليست فقط بعيدة الاحتمال ؛ بل وتتجاهل حقيقة أن البشر أكثر المخلوقات تناسلا وأحرصهم بقاء على سطح الأرض ... بالطبع ... مالم يغسلهم طوفان جديد !