المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النضريات القديمة والحديثة في طبيعة الحرارة ( الكالوريك)



جعفر
03-26-2010, 10:08 AM
النضريات القديمة والحديثة في طبيعة الحرارة ( الكالوريك)

يعتبر الأحساس بالحرارة والبرودة واحداُ من اهم الاحاسيس لدى الانسان وأكثرها اساسية وتشير المراجع الى ان البحث في طبيعة الحرارة يعود على الاقل الى القرن الاول بعد الميلاد.حيث كتب الشاعر الروماني لوكريتيوس أن الحرارة ما هي الا مادة كغيرها من المواد ولكن الاقتناع بأن الحرارة صورة من صور الطاقة لم يتحقق الا في حوالي منتصف القرن التاسع عشر . وتوضح قصة الأفكار المتنافسة عن طبيعة الحرارة ووجهات النظر المؤيدة ولكل منها الطبيعة الحقيقية للتقدم العلمي ،ليس هذا فقط .ولكنها أيضاً موضوع في غاية الأهمية . ويعتبر المؤرخ كاجورى ان القانون الأول للديناميكا الحرارية اعظم تعميم تحقق في الفيزياء في القرن التاسع عشر . فنحن الآن نعيش في عصر يعتمد اعتماداً أساسياُ على تحويل الحرارة الى شغل ميكانيكي (الآت الاحتراق الداخلي والتوربينات البخارية على سبيل المثال) بحيث يمكن وصف اقتصادنا المعاصر بأنه اقتصاد ديناميكي حراري وكانت هناك نظريتان متنافستان أساسيتان للحرارة :

الأولى: هي نظرية السيال الحرارة المادي (الكالوريك)، والثانية: نظرية الطاقة التي تعتبر ان الحرارة تتمثل في حركة جزيئات المادة . ويعتبر ديسكارتس وبويل ونيوتن من أشهر علماء القرن السابع عشر الذين تزعموا الاتجاه الثاني ،اذ كانت وجهة نظرهم أن الحرارة هي الحركة الأهتزازية لجسيمات المادة ولكن النظرية كانت تفتقر الاساس العلمي الرصين الذي يدعمها ، ولذلك نبذت خلال القرن الثامن عشر وسادت نظرية الكالوريك . وقد شهدت هذه الفترة بالتحديد ابتكار الآلة البخارية على يدى كل من توماس نيوكومن في انجلترا وجيمس واط في اسكتلندا .

تفترض نظرية الكالوريك فرضين أساسين:
(1)أن الكالوريك مائع(سائل) له القدرة على اختراق جميع الفراغات ، كما يستطيع الانسياب الى جميع الأجسام الى الداخل أوالى الخارج ،

(2) أن الكالوريك ينجذب بشدة الى المادة ، ولكنه يتنافر مع نفسه . وطبقاً لهذه النظرية يتعين تركيب المادة باتزان التجاذب التثاقلي للذرات تجاه بعضها البعض والتنافر الذاتي للكالوريك الموجود بالجسم .(تذكر أن التركيب الكهرومغناطيسي للمادة لم يكن معروفاً في ذلك الوقت ، وأن شدة قوة التجاذب التثاقلي Gلم يتحقق قبل نهاية القرن ) . هذا وقد طبقت فكرة المائع (غير القابل للوزن) والذي يتخلل المادة مرات كثيرة في التاريخ محاولة لتفسير العديد من الظواهر الفيزيائية.

وقد نجحت نظرية الكالوريك في تفسير كثير من الحقائق المشاهدة علمياُ . فالأجسام الساخنة تحتوي على كمية أكبر من الكالوريك ، بينما تحتوي الاجسام الباردة الى كمية أقل منه . كما أمكن تفسير تسخين الأجسام أو تبريدها بزيادة كمية الكالوريك في الجسم نتيجة لانسيابه الى داخل الجسم ، أو بنقص كميته نتيجة لانسيابه الى خارج الجسم . وعند ارتفاع درجة الحرارة سوف تسبب الزيادة في كمية الكالوريك تمدد الجسم بسبب التنافر الذاتي للكالوريك . كذلك فان انصهار الجوامد قد امكن تفسيره بأن كمية الكالوريك في الجسم تزداد زيادة هائلة عند نقطة الأنصهار ، وتزداد تبعاً لذلك قوة التنافر الذاتية للكالوريك بحيث يمكنها التغلب على قوى التجاذب التي تحفظ الذرات في أماكنها ، وبذلك يحدث الانصهار . أما في المواد الغازية فان التأثيرات التجاذبية بين الذرات تكون مهملة .

ولكي يتسع نطاق تطبيقات نظرية الكالوريك قام الاسكتلندي جوزيف بلاك بتقسيم الكالوريك الى صنفين متميزين :
الكالوريك الكامن والكالوريك المحسوس ، حيث يرتبط الكالوريك المحسوس بالتغيرات في درجة الحرارة . أما الحرارة المرتبطة بعملية تحول طوري كالتجمد فقد أمكن تفسيرها بأن الكالوريك يتحد في الحقيقة مع الذرات في هذه العملية متحولاُ من الكالوريك محسوس الى كامن ،ويحدث العكس تماماً في عملية التحول الطوري العكسي ، اذ يتحول الكالوريك مرة ثانية من الصورة المحسوسة الى الكامنة .كذلك أمكن تفسير تولد الحرارة بالطرق أو الحك بأن ذلك يحدث نتيجة (لاعتصار) بعض الكالوريك المحسوس من المادة الصلبة .وبطريقة مشابهة أمكن أيضاً تفسير ارتفاع درجة غليان المادة بزيادة الضغط ، فعندما يزداد الضغط المؤثر على المادة قرب نقطة الغليان تسبب الزيادة في الضغط اعتصار بعض الكالوريك المحسوس من المادة ، ولهذا يتحتم أن تصل درجة حرارة المادة الى قيمة أعلى حتى تسترد ما يكفي من الكالوريك لتبخيرها .

كان الأمريكي بنيامين طومسون ، والمشهور باسم (كونت رمفورد ) أول من هاجم نظرية الكالوريك هجوماُ عملياُ مركزاُ في نهاية القرن الثامن عشر . ففي عام 1775 غادر طومسون أمريكا الى أوروبا ، حيث أنعم عليه أمير بافاريا بلقب كونت في عام 1790 تقديراُ لأنجازاته القيمة خلال سنوات طويلة . وبينما كان طومسون يقوم بعمله المعتاد في الاشراف على ثقب مواسير المدافع العملاقة ، أجرى هذا الرجل العديد من التجارب التي أثبتت أن هناك علاقة وثيقة بين الشغل الميكانيكي المبذول بواسطة المثقاب وتولد الحرارة بشكل غير محدود ؛ فقد لاحظ أن الحرارة تتولد باستمرار أثناء عمل المثقاب ويتوقف تولدها بتوقفه . وبناء على ذلك نبذ رمفورد فكرة أن الحرارة تأتي من مصدر محدود للكالوريك يحتوي عليه معدن الماسورة .

كذلك أجرى رمفورد بعض التجارب التي قام بتصميمها لقياس وزن السيال الحراري . وتتلخص فكرة هذه التجارب في محاولة قياس أي فرق في الوزن بين الأجسام الساخنة والباردة ، وخاصة الفرق في وزن الماء عند التحول الطوري . كانت تجارب رمفورد في غاية الدقة ، ومع ذلك لم تبين هذه التجارب حدوث أي تغير في الوزن نتيجة لأنسياب الكالوريك المفترض داخل أو خارج عيناته . هذه التجارب وغيرها من التجارب المتعلقة بالتوصيل الحراري أقنعت رمفورد أن الحرارة ناتجة عن الحركة الجزيئية وليست ناشئة عن مادة عديمة الوزن لا ينضب لها معين . ومما يثير الدهشة والسخرية في نفس الوقت أن يتزايد عدد مؤيدي نظرية الكالوريك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، هذا بالرغم من العديد من العلماء البارزين المؤيدين لرمفورد ، مثل السير همفري دافي وتوماس يونج .

كان الفيزيائي الانجليزي جيمس برسكوت جول (1818-1889) أول من أثبت التكافؤ الكمى بين الشغل الميكانيكي وتوليد الحرارة . وقد أجرى جول تجاربه في توليد الحرارة باستخدام التيار الكهربائي واحتكاك المياه المتدفقة وانضغاط الهواء وتأثير العجلات ذات البدالات أثناء تقليب الماء . وقد أعلن جول قياساته للمكافيء الميكانيكي للحرارة في أكسفورد عام 1849. ولا ننسى هنا أن نشير الى ما لقيه جول من التقدير العظيم والأهتمام البالغ من قبل الشاب وليام طومسون ، لورد كلفن فيما بعد، وهو أحد أشهر رجال العالم في انجلترا . هذا وقد قام آخرون ، وخصوصاً الفيزيائي الأمريكي هنري رولاند ، بتنقيح نتائج تجارب جول الأولى . وسوف يظل عام 1847 هو التاريخ الحقيقي الذي شهد التأكيد النهائي الحاسم للقانون الأول للديناميكا الحرارية ، والذي يتعامل مع الحرارة باعتبارها طاقة داخلية ميكانيكية . وفي الحقيقة فان الصيغة التي تعبر عن التكافؤ الميكانيكي للحرارة ؛1kilocalorie =4184N.m ، والتي تبدو الآن عادية تماماُ ، تعتبر واحدة من أهم صيغ الميكانيكا الكلاسيكية . لا عجب اذن أن يطلق اليوم
على الوحدة نيوتن \ متر اسم الجول .